عام 1948 ولد محمد عبده عثمان آل دهل العسيري في مدينة درب الواقعة جنوب المملكة، ولم يكن أحد يتوقع أن هذه المدينة تمتلك موهبة فنية وثروة وطنية لا تقدر بثمن، ولم يكن محمد نفسه يعلم أن القدر يخبئ له مفاجآت عديدة ومواعيد كبيرة ولا سيما أنه عاش يتيما، حيث رحل عنه والده وهو في السادسة من عمره، ولأن ولد الوز عوام كافح محمد للدخول في المعهد الصناعي والتخصص في صناعة السفن لعل وعسى أن يكون كوالده، ولكن يبدو أن الحياة التي عاشها أبو نورة في طفولته أرادت أن تجعل منه فنانا. أول أعجوبة في عام 1961 كانت البداية مع هوايته التي جعلته حديث العالم العربي حتى يومنا هذا، ولأن في ذهنه يدور حلم وفي حنجرته يسكن الطرب فقد تغيرت وجهته العملية لصناعة السفن في إيطاليا إلى وجهة فنية إلى بيروت مع عباس غزاوي الذي يعتبر من المكتشفين لصوت الأسطورة محمد عبده إلى جانب الشاعر طاهر زمخشري. وسرعان ما ظهرت موهبة محمد عبده حين تغنى بكلمات «خاصمت عيني من سنين» للشاعر الزمخشري وألحان محمد محسن، وتعتبر هذه الأغنية أول أغنية تغنى بها محمد عبده في تاريخه، ولأن انطلاقة تاريخه تدل على أنه أعجوبة فقد واصل في إبهار من حوله بأغان عديدة لفنانين كثيرين سبقوه، ومن هذه الأغاني أغنية «قالوها في الحارة.. الدنيا غدارة». وحالما عاد للوطن بعد أول مهمة فنية تعرف ابن عبده على الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي الذي شعر بالقيمة الحقيقية لحنجرة فنان العرب فدعمه إلى جانب الموسيقار طارق عبدالحكيم الذي قدم له لحنا من كلمات الشاعر ناصر بن جريد بعنوان «سكة التائهين» التي طرحها محمد عبده عام 1966. ولأنه فعلا أعجوبة أبى أن يكشف عن موهبة فنية أخرى ألا وهي التلحين وحينها لم يجد عمر كدرس وعبدالحكيم أمام هذا العملاق الصغير بعمره سوى الانبهار والتشجيع؛ إذ تعتبر أغنية «خلاص ضاعت أمانينا.. مدام الحلو ناسينا». أول أغنية من ألحان فنان العرب، وقدم بعد ذلك أغنية «الرمش الطويل» عام 1967 وحققت الأغنية آنذاك انتشارا ونجاحا كبير ودل دلالة قوية على أن الفن في انتظار معجزة فنية اسمها محمد عبده بدليل أن هذه الأغنية انتشرت خليجيا وعربيا. أوسطه أسطورة وكانت الانطلاقة الحقيقية لفنان العرب على المستوى العربي هي من خلال أغنية «لنا الله» تلك الأغنية الأسطورية والتي صاغ كلماتها إبراهيم خفاجي، ليتعاون بعدها أبو نورة مع الأمير عبدالله الفيصل في أغنية «ياهلا يابو شعر ثاير»، وواصل محمد عبده الانتشار عربيا، وفي مطلع السبعينيات بات فنان العرب منافسا قويا وتكونت لديه جماهيرية عريضة وأضحى صوته مطلبا للشعراء ومطمعا للملحنين، فالجميع على المستوى الشعري واللحني سواء كان كبيرا أو مبتدئا يرغب في التعاون معه. محمد عبده في السبعينيات قدم ألوانا فنية مختلفة وأصبح الفنان الذي يطور الفن وينقل الأغنية السعودية خليجيا وعربيا، وهذا ما حدث ولا سيما بعد تعاونه مع كبير شعراء العرب الأمير خالد الفيصل الذي تغنى بقصائده الرائعة إلى جانب مهندس الكلمة الأمير بدر بن عبدالمحسن وفائق عبدالجليل. ولأنه أسطورة فنية نجح عبده في أن يتربع مع مطلع الثمانينيات الميلادية على صدارة فناني العرب بكل جدارة واستحقاق مع منافسة من رفيق دربه الأسطورة طلال مداح، فبعد أن أطلق عليه الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة فنان العرب واصل الأسطورة محمد عبده إثراء الساحة الفنية خليجيا وعربيا بأعماله الرائعة المختلفة ومن بينها «صوتك يناديني، وهم، المعازيم، ابعتذر، جمرة غضى، من بادي الوقت، مرتني الدنيا» وغيرها من أغان خلدها التاريخ. نصف قرن.. معجزة وفي نهاية الثمانينيات الميلادية توقف محمد عبده عن الغناء لفترة لأسباب خاصة من بينها وفاة والدته، ولم يستمر التوقف طويلا، حيث عوض الأسطورة غيابه الفني لفترة بطرح أغنية «أنشودة المطر» وقدم بعدها أعمالا مختلفة منها «البرواز، على البال، الفجر البعيد، اختلفنا، آخر زيارة، أقرب الناس»، إلى جانب مشاركاته الوطنية ولا سيما في مهرجان الجنادية إلى أن بات فنان الوطن الأول، إضافة إلى أنه طرح خمسة ألبومات في عام 1997. محمد عبده ورغم ظهور فنانين جدد في الساحة الفنية المحلية والخليجية والعربية إلا أن ظهورهم لم يشكل قلقا لفنان العرب كونه حافظ على زعامته الفنية بطرحه أعمالا فنية قوية ورغم تقدم السن به إلا أنه كلما يكبر يقدم عطاءات فنية رائعة، ومن الأعمال التي شهدتها الألفية هي «مجموعة إنسان، اعترفلك، بنت النور، شبيه الريح، الأماكن، واحشني زمانك». الوعكة الصحية محمد عبده عرفه الملايين باحترامه لفنه وبشخصيته العفوية وأخلاقه العالية واحترامه لزملائه ولجمهوره وتفاعله وتعامله الراقي مع الصحافة والإعلام بشكل عام، ليبادله الجميع الحب والود والاحترام، واتضح ذلك جليا بعد وعكته الصحية الأخيرة والتي تفاعل معها الملوك والزعماء على المستوى العربي وعامة الشعوب والجماهير والإعلام، ولم يكن غريبا أن تتصدر أخباره وحالته الصحية كل الأماكن كونه من ملأ الدنيا وأشبع الأوطان وأحبه الناس إلى أن تفرد بمكانة عالية وسامية في الفن والمجتمع لم يصل إليها أي مطرب في الخليج والعالم العربي سواه. رفقاء دربه يطالبون بتكريمه عبر الشاعر إبراهيم خفاجي رفيق درب الأسطورة محمد عبده عن سعادته بشفاء محمد عبده وقال: «الحمد لله الذي من على أخي محمد بالشفاء وأتمنى أن الله عز وجل يحفظه لأبنائه ومحبيه، متمنيا من صديقي أن يحافظ على صحته ويهتم بالبرنامج الذي وضع له من قبل الأطباء». وعن كلمته لأبي نورة بمناسبة تكريمه المنتظر قال الشاعر الملهم «وهل تعتقد أن كلمة في دقيقة أو دقائق معدودة ستعبر أو تفي بما أحمله في قلبي لأخي ورفيق دربي؟ وهل تعتقد أن كلمات قليلة ستنصف تاريخ 50 عاما». واستطرد «تكريمه واجب وطني وإنني أشكر وزير الثقافة والإعلام وكل من تبنوا هذه الفكرة وعزموا على الاحتفاء بهذا الرمز الكبير الذي طالما عشنا مع صوته الجميل لحظات جميلة»، منوها بأنه كثيرا ما طالب بتكريم محمد عبده لأنه ممن خدموا الفن السعودي وصنع تاريخه وساهم مساهمة كبرى في نقله على المستوى الخليجي والعربي. ويعتبر خفاجي من الشعراء الذين دعموا الأسطورة محمد عبده في بداياته وشكلا ثنائيا خطيرا في التعاونات الفنية القوية، ومن هذه الأعمال «عريسنا يا بدر بادي، عيونك ردها عني، خلي عنك عذول، الله يمسيك بالخير، مرني عند الغروب، أنا عارف، من فتونك والدلال، ومن العايدين، ظبي الجنوب، ياناعس الجفن، قلبي دليلي، ارفع ستار الخجل، المقدر، عيونك، أشوفك كل يوم، وتسلم لي، أنت محبوبي، لا تناظرني بعين، الود طبعي، لو سمحت المعذرة، ما في داعي»، وغيرها من أعمال تاريخية خلدها التاريخ ومازالت تحظى بإقبال كبير من قبل من تشربوها، وجدد الثنائي الخطير تعاونهما بعد انقطاع في أغنية سينجل بعنوان «نجمي ونجمك» طرحها أسطورة الفن محمد عبده في مطلع العام الجاري ولاقت الأغنية نجاحا كبيرا. بينما الموسيقار الشهير سامي إحسان أكد أن محمد عبده حبيبه الذي بكى بسبب الأزمة الصحية التي تعرض لها، قائلا «أحمد الله الذي شفى صديقي المقرب مني»، وعن تكريمه قال «أتمنى أن يتم تكريمه في أسرع وقت، فأبو نورة من الرموز الفنية التي خدمت الفن السعودي، وتكريمه واجب على الجميع لما قدمه للفن» وعدد إحسان التعاونات الفنية التي تعاون فيها مع أبي نورة ومنها «أنت محبوبي، ومالي ومال الناس، وسهر والله على ماصار»، مشيرا إلى أن جميع فتراته مع محمد عبده تعتبر ذهبية وأن فنان العرب في كل فترة يكون حيويا ومذهلا فيما قدم، وعاد إحسان بالحديث عن الماضي الجميل الذي كان يجتمع فيه هو ومحمد عبده وبصحبتهم الفنان الأسطوري الراحل طلال مداح، إذ قال كنا نجلس بين فترة وفترة ونتبادل الأحاديث والضحكات. وذكر إحسان أن محمد عبده ليس فنانا فقط، فعلاوة على أنه متذوق للشعر ولديه حس عال في الاختيارات الشعرية المميزة فإنه ملحن خطير، وأعتبره من أفضل الملحنين على المستوى الخليجي، وأضاف «أبو نورة أقل ما يقدم له بعد هذا المشوار الحافل والتاريخ الكبير الذي سطر بماء من ذهب هو تكريمه والاحتفاء به، مطالبا بأن يكون التكريم تكريما يليق بتاريخ وعظمة محمد عبده الفنية. أما طلال باغر فقال يطول الحديث عن محمد عبده ولكن أجزم بأنه فنان جمع الأصالة والتميز والتواضع والأخلاق في شخصه فهو الفنان الذي ساهم في نهضة الفن السعودي ونما الطرب بإبداعاته التي خلدت في أسماعنا، ولم يكتف بذلك بل أنه هو من نقل حضارتنا وأصالتنا وتراثنا إلى العالم العربي بصوته الشيق والجميل، ويضيف «أبو نورة فنانون عدة في صورة فنان خدم الفن والتراث والثقافة وأقل شيء أن نرد له الجميل بتكريمه وأن نحتفي به جميعا. واعتبر باغر أن محمد عبده منذ أن ظهر وحتى هذا اليوم وهو في صدارة فناني العرب، منوها بأن علاقته بأبي نورة من 30 عاما تعاونا فيها وقدما أعمالا ضخمة وكبيرة نالت استحسان الجماهير، أولها «سنا الفضة» من كلمات الملتاع، ولن تكون «أحبه حيل» من كلمات الملتاع آخر تعاوناتي مع أبو نورة إلى جانب أعمال أخرى أتشرف بها كثيرا. وأكد باغر أن تكريم محمد عبده خطوة جميلة ولا سيما أنها تصادف مرور 50 عاما على تواجده الفني الباهر الزاهر، مبينا أن أغنية سيد الغنادير من الأعمال التي يحبها ويحرص على الاستماع إليها باستمرار .