عندما أنشئَ حساب إبراء الذمة بمرسومِ ملكي في العام 2005م، تأملنا وتوقعنا جميعا أن يُحاول الكثير من المواطنين إبراء ذممهم مما علق فيها، لكن أكان يتوقع أحد منا أن يَصل مجموع ما أودعَ في الحساب خلال خمسة أعوام إلى 177 مليونا؟! لا أظن بأن أحدا منا «تخيل» ذلك، لا لقلةِ المُختلسين، ولا لأن بلادنا خالية ممن يحصلون على الأموالِ بغير حق، ولا لأننا شعب ملائكي لا يدخل في ذممِ أفراده مال حرام بعلمِ أو حتى دونِ علم، بل على العكس من كل ذلك، لم يتخيل أحد منا أن تُودع هذه الأموال في حساب إبراء الذمة لأننا في زمنِ يسوده الجشع والطمع، زمنُ تحورت فيه المبادئ وتشوهت فيه الأخلاقيات وانعدمت فيه القيم بفعلِ المادة والحاجة والظروف الاقتصادية المتأرجحة والتغيرات الحياتية المُتجددة. 177 مليون ريال صُرفت خلال خمسة أعوام لتزويج الفقراء وترميم البيوت وتقديم القروض المالية للأرامل والأيتام والمطلقات من خلالِ بنك التسليف والادخار، وستصرف ملايين الملايين في الأعوام القليلة القادمة على من يستحقها لو حاول كُل فردِ منا أن يُبرئ ذمته مما خالطها و»عكرها». ومثلما تدل الملايين التي أودعت في حسابِ إبراء الذمة خلال السنوات القليلة الماضية على وجود الفساد هي أيضا تدل على التوبة وعلى يقظةِ الضمير وعلى أن الخوف من الله هو فطرة الأسوياء حتى إن ابتعدنا عن سبيله في بعض الأحيان .. أعتقد أن مشروع إنشاء الحساب هو من أفضل المشاريع «الحقيقية» التي أنشئت خلال الأعوام القليلة الماضية، مشروع ذو فوائد اجتماعية واقتصادية وانعكاسات أخلاقية متعددة، فخطوة واحدة للتحويل بضغطة زر لحساب SA2680000126608010510005 لإبراء الذمة في مصرف الراجحي قد تُريح ضمائرنا المنهكة؛ فنبات قريري الأعين بعد طول سهاد.