داعية الإصلاح والنهضة، ولد سنة 1838م، في «أسعد آباد» إحدى القرى التابعة لولاية كنر من أعمال كابل عاصمة الأفغان. تلقى الأفغاني علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية، فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالا إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فاغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وصل مكةالمكرمة في سنة 1857م، وأدى الفريضة. وعندما عاد إلى بلاده انتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان، وعندما وقع الخلاف بين الأمير الجديد وإخوته، انضم الأفغاني إلى محمد أعظم أحد الإخوة الثلاثة، الذي تمكن من السلطة، فأحله محل الوزير الأول، قبل أن يتجدد الصراع مرة ثانية، ويفقد الأفغاني مواقعه، ويغادر إلى الهند سنة 1869م. ومع أن الحكومة الهندية استقبلته بالحفاوة والإكرام، إلا أنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها، وأنزلته إحدى سفنها فأقلته إلى السويس، فكانت تلك أول فرصة له ليحل بمصر، حيث التقى بالعلماء وقادة الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الإنجليزي وتردد على الأزهر، ثم غادر إلى تركيا حيث استقبلته حكومة السلطان عبدالعزيز باحترام كبير. ومع عودته إلى مصر في مارس سنة 1871م، كان الأفغاني يود مشاهدة مناظرها، واستطلاع أحوالها ثم مغادرتها، ولكن رياض باشا وزير الخديوي إسماعيل رغب إليه البقاء، وأجرت عليه الحكومة راتبا مقداره ألف قرش كل شهر، ومع ذلك لم يكن الأفغاني من مؤيدي إسماعيل، بل كان ينقم منه استبداده وإسرافه، وتمكينه الدول الاستعمارية من مرافق البلاد وحقوقها. كان الأفغاني يتوسم الخير في خليفة إسماعيل الخديوي توفيق، إذ رآه وهو ولي للعهد ميالا إلى الشورى، ينتقد سياسة أبيه وإسرافه، لكن توفيق لم يكن بمستوى توقعات الشيخ، فاختلف معه ونفي للخارج. وكانت لندن أول مدينة وردها، حيث أقام بها أياما معدودات، ثم انتقل إلى باريس، وهناك أصدر جريدة «العروة الوثقى»، التي سميت باسم الجمعية التي أنشأتها، وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة، ومجاهدة الاستعمار، وتحرير مصر والسودان من الاحتلال، وكانت تضم جماعة من أقطاب العالم الإسلامي وكبرائه وهي التي عهدت إلى الأفغاني بإصدار الجريدة لتكون لسان حالها.