يبدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زيارة رسمية للرياض، من المنتظر أن يبحث خلالها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جملة من الملفات السياسية والاقتصادية. وسيرافق ساركوزي وفد يمثل قطاعات اقتصادية وتجارية فرنسية للتباحث مع نظرائهم السعوديين حول الفرص المتاحة للاستثمار المشترك. البنك السعودي - الفرنسي أعد تقريرا تزامنا مع الزيارة، قال فيه إن المملكة استفادت منذ فترة طويلة من علاقاتها التجارية مع فرنسا، وكان الميزان التجاري يميل عادة لصالح المملكة ولا سيما أنها وفرت لفرنسا خلال العام الماضي كميات من النفط الخام تفوق ما وفرته لها أية دولة أخرى عضو في منظمة أوبك. التقرير من إعداد الدكتور جون إسفيكياناكيس المدير العام وكبير الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي وتركي عبد العزيز الحقيل المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك. تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لثاني أكبر اقتصاد في أوروبا في المملكة خمس مرات بين عامي 2000 و2008، وهي فترة تضاعف خلالها إجمالي حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية لفرنسا ثلاث مرات. وانطوت العلاقات السعودية - الفرنسية التجارية والدبلوماسية على منافع متبادلة. فبالنسبة لفرنسا - رابع أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا – تعد السعودية سوقاً مهما بالنسبة لصناعة أسلحة تسعى جاهدة لتأمين أسواق جديدة لدعم هذا القطاع الاستراتيجي. فكانت المملكة من خلال شروعها في برنامج مشترياتها الجديد، ثالث أكبر عميل للأسلحة الفرنسية عام 2008. وفرنسا نفسها في وضع جيد يسمح لها بالتعاون أيضاً مع المملكة في مسعاها لتطوير الطاقة النووية المدنية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة المحلية. فقد حصل عدد من الشركات الفرنسية الخاصة على صفقات وصلت قيمتها إلى مليار دولار لمساعدة المملكة على تعزيز إنتاجها من الطاقة وتحسين بنيتها التحتية. ولا شك أن زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي تأتي في إطار محاولات فرنسا للدفع قدما بهذه المصالح التجارية والدبلوماسية. علاقات تجارية راسخة تمتلك فرنسا أرضية راسخة تستطيع على أساسها توسيع حضورها في المملكة وفي الخليج. فمن بين جميع الدول الأوروبية، لا تصدر سوى ألمانيا أكثر من فرنسا إلى المملكة. وفي عام 2008 حلت فرنسا في المرتبة الثامنة بين أكبر الدول المصدرة للمملكة، حيث بلغ إجمالي تلك الصادرات 15.24 مليار ريال، وفقا لبيانات مؤسسة النقد. وشكلت الصادرات الفرنسية إلى المملكة ما نسبته 3.5 في المائة من إجمالي الواردات السعودية في 2008، متراجعة تدريجياً عما كانت عليه عام 2000 (4.1 في المائة)، في حين تضاعف حجم واردات المملكة أكثر من أربع مرات خلال الفترة نفسها التي اتسمت بطفرة اقتصادية هائلة. وشكلت الصادرات السعودية إلى فرنسا ما نسبته 15 في المائة من إجمالي الصادرات السعودية إلى الاتحاد الأوروبي في 2008. وتشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن واردات فرنسا من المملكة تتكون في معظمها من النفط الخام، حيث بلغت قيمتها 18.6 مليار ريال في 2008. ولطالما ظلت العلاقات التجارية تفضل المملكة بالنظر لصادراتها من النفط الخام، ولم يمل الميزان التجاري لصالح فرنسا سوى مرتين (في عامي 1987 و1998). إلا أن تسليم المعدات العسكرية كان وما زال يساعد على إبقاء عجز ميزان التجارة الفرنسي مع المملكة تحت السيطرة.أما العلاقات الرسمية بين المملكة وفرنسا فتعود إلى منتصف العشرينيات من القرن الماضي. وما زالت فرنسا تحتفظ بقنصلية لها في جدة منذ 1841، قبل أن تصبح واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بحكومة الملك عبد العزيز في 1926. وقد تعززت أواصر العلاقات بين البلدين خلال أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي عندما أرسلت فرنسا بعثة اقتصادية إلى المملكة، تلتها بعثة دبلوماسية في 1936. وفي أعقاب التوقيع على اتفاقية الجزيرة في 1931، أنشأت فرنسا مصنعاً للأسلحة في الخرج – فكان واحداً من أكبر المصانع في منطقة شبه الجزيرة العربية. وقد تم إرساء أسس العلاقة الاستراتيجية الحالية من قبل العاهل السعودي الملك فيصل والرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول في 1967. وقام الملك عبد الله بزيارة رسمية إلى باريس في تموز (يوليو) 2007، فيما قام الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي بأول زيارة إلى المملكة في كانون الثاني (يناير) 2008، وسيقوم بزيارتها للمرة الثانية خلال هذا الشهر. طفرة في حجم الاستثمارات كانت فرنسا وما زالت مصدرا رئيسيا للاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى منطقة الخليج الغنية بالنفط خلال العقد الماضي. وقد تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية المتدفقة إلى المملكة خمس مرات بين عامي 2000 و2008 ووصل الإجمالي إلى 1.41 مليار يورو في 2008، وفقا لبيانات البنك المركزي الفرنسي. وتستقطب المملكة أكبر نسبة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية في منطقة الخليج، حيث تصل إلى 45 في المائة من إجمالي تدفقات تلك الاستثمارات إلى خمس من دول مجلس التعاون الست. ويركز المستثمرون الفرنسيون اهتمامهم على خطط زيادة إنتاج النفط وبناء البنية التحتية في المملكة، ولا سيما أن المملكة شرعت في تطبيق برنامج استثماري يهدف إلى تنشيط الحركة الاقتصادية يصل رأسماله إلى 400 مليار دولار، وينطوي على استثمارات حكومية في عديد من القطاعات. ويعد بناء مصفاة لتكرير النفط في الجبيل الصناعية أكبر الاستثمارات المهمة، وهو مشروع مشترك بين شركة أرامكو السعودية وشركة توتال الفرنسية. ويتوقع أن تتجاوز تكلفة المصفاة 12 مليار دولار، وسيبدأ تشغيلها في 2013. وفي مجال الطاقة أيضاً، هناك مشروع مشترك بين شركة تصنيع وخدمات الطاقة السعودية وشركة إير ليكويد الفرنسية لتزويد المملكة بالغازات الصناعية. كما تقوم الشركات الفرنسية بمنافسة غيرها من الشركات للحصول على بعض الصفقات الكبرى في قطاع النقل والمواصلات، والتي تشكل جزءا كبيراً ورئيسيا من برنامج الإنفاق السعودي الموسع. وتتطلع شركة ألستوم للنقل للفوز بعطاء مشاريع السكك الحديدية الرئيسية في المملكة، بما فيها خط الحرمين السريع. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة هذا المشروع، إلى جانب مشروعين آخرين للسكك الحديدية - بما في ذلك خط الجسر البري الذي يربط المنطقة الشرقية بالمنطقة الغربية مروراً بمنطقة الرياض وخط الشمال الذي يربط منطقة الرياض بالمنطقة الشمالية، تشير إلى أن تكلفة كل واحد منها تصل إلى نحو 26 مليار ريال. في الوقت ذاته، وقعت الخطوط السعودية عقداً بقيمة عشرة مليارات ريال مع «إير باص» لشراء 58 طائرة ذات مرافق متطورة، بما في ذلك طراز A320 وA321 و A330، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها الشركة السعودية لتحديث اسطولها الجوي ومواجهة التحديات العالمية. ولا شك أن هذه الصفقة تشكل نقلة نوعية وتغييراً جذرياً ولا سيما أن أسطول الشركة كان حتى وقت قريب يتألف بالكامل من طائرات أمريكية الصنع. ويشير التقرير إلى أن علاقة فرنسا مع المملكة تحديداً ومع منطقة الخليج ككل تمر بمرحلة انتقالية. فتقوم فرنسا حالياً بمحاولات واضحة لتحسين صورتها في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم، ولا سيما أن هذه المنطقة اكتسبت شهرة عالمية خلال هذا العقد نتيجة ارتفاع أسعار النفط. في حين كانت علاقات فرنسا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشير إلى أنها كانت وما زالت تركز على منطقتي المشرق العربي والمغرب العربي. إلا أن تحول السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي أدى إلى تغيير قواعد اللعبة، «فبتنا نرى وجود إمكانية كبيرة لتوطيد العلاقات الثنائية بين فرنسا والمملكة». التعاون في مجال الطاقة النووية على صعيد الطاقة، يرى التقرير وجود مجال أكبر للتعاون بين البلدين، خصوصاً في مجال الاستخدامات المدنية والسلمية للطاقة النووية. فقد باتت منطقتا الخليج والشرق الأوسط أكثر إدراكا لأهمية استخدام التكنولوجيا النووية لتلبية احتياجاتهما المتزايدة من الطاقة. ولدى منطقة الخليج القدرة على توفير ما يقرب من 40 مليار دولار أمريكي على هيئة عقود لبناء محطات نووية مدنية، في حين أن مصر والأردن لديهما أيضاً خطط جاهزة لبناء محطات نووية. فقد وقعت مصر اتفاقا للتعاون النووي مع روسيا خلال العام الماضي، كما أبرمت كل من ليبيا والجزائر اتفاقيات مماثلة مع فرنسا. وهناك تقارير تشير إلى أن الحكومة الفرنسية وعدت بتقديم مساعدة لكل من قطر والمغرب لإطلاق برامجها النووية. ورغم أن العملية ستستغرق وقتاً طويلاً (يستغرق إنشاء محطة لتوليد الطاقة النووية نحو سبع سنوات في المتوسط)، فإن المنطقة تسير في هذا الاتجاه. ويبدو أن فرنسا هي الأوفر حظاً حتى الآن من بين عديد من الدول (الولاياتالمتحدة وكندا وكوريا الجنوبية واليابان) لتزويد الإمارات بالمعرفة العلمية المتعلقة بتوليد الطاقة النووية. حظوظ الشركات الفرنسية الشركات الفرنسية في وضع جيد يمكنها من المشاركة في مشاريع السكك الحديدية في المملكة التي تصل تكلفتها إلى عدة مليارات من الدولارات. وبالنسبة للقاطرات، فإن المنافسة تنحصر بين الشركات الإسبانية والفرنسية والأمريكية والألمانية والصينية. وتمكنت شركة إلكترو موتيف ديزل الأمريكية بالفعل، من توقيع عقد لبناء القطارات التي ستعمل على خط السكك الحديدية الواصل بين الشمال والجنوب، فيما تزداد حظوظ مجموعة سي إيه إف الاسبانية لتصنيع القطارات وعدة شركات فرنسية مثل «ألستوم» في الفوز بالعقود الأخرى. ورغم نمو العلاقات التجارية بشكل واضح، واجهت عملية تطوير العلاقات السعودية - الفرنسية الثقافية والتعليمية بعض العقبات بسبب حاجز اللغة. فهناك أكثر من 26 ألف سعودي يواصلون دراساتهم العليا في الولاياتالمتحدة، وستة آلاف في استراليا، فيما لا يتجاوز عدد من يدرسون في فرنسا 500 طالب فقط. إلا أن شعبية فرنسا ما زالت عالية كبلد سياحي يقصده السعوديون لقضاء العطلات والإجازات، حيث زارها ما يقرب من 35 ألف خلال العام الماضي.