في ضوء الخطط الاستيطانية الإسرائيلية المستمرة، والواقع الفلسطيني الداخلي المنقسم، والتهديدات بين فينة وأخرى بحرب إسرائيلية قادمة على قطاع غزة، تحدث الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور رمضان عبد الله شلح، ل"الوطن" من مقر إقامته في العاصمة السورية دمشق، في حوار امتد لساعتين، أعرب فيه عن رؤيته لقضية "القدس"، والدور الذي من الممكن أن تلعبه الدول الإسلامية، والمملكة العربية السعودية خاصة، في كبح خطط "تهويد" المدينة المقدسة، كما شرح آخر تطورات جهود المصالحة بين فتح وحماس، وموقف حركته من الورقة الفلسطينية. كيف تنظرون لما تقوم به الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو من تهويد للقدس؟ ما يجري في القدس من تهويد للمدينة المقدسة، ومن استهداف بهدم الحجر وترحيل البشر هو بكل معنى الكلمة تطهير عرقي، لكن الأهم من التوصيف هو مغزى ما يجري في القدس. أنا أعتقد أن ما تتعرض له القدس من حمى استيطان وتهويد الآن، يعكس موقف نتنياهو من عملية التسوية وصيغة حل الدولتين. نتنياهو يريد أن يغلق ملف القدس، ويريد أن يضيف شرطاً جديداً إضافة إلى شروطه المعهودة، وعلى رأسها يهودية الدولة، أنه لا تنازل إسرائيلي عن القدس في أية تسوية، بما في ذلك المسجد الأقصى، لأنه في عقيدتهم يسمى جبل الهيكل، ويعتقدون أنه لابد أن يأتي الوقت الذي يهدم فيه المسجد الأقصى، ويبنى الهيكل. إذاً الرسالة التي يعكسها السلوك الاستيطاني وحمى التهويد التي تتم في القدس الآن، هي أنه لا دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس. هل هذا يعني نهاية عملية التسوية برأيكم؟ الأمر ليس بهذه السهولة، الأمر معقد ويتوقف على أطراف لعبة التسوية في المنطقة ومن يرعاها، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبعض أطراف النظام العربي، والعدو الصهيوني، ثم الجانب الفلسطيني المنخرط في عملية التسوية، ثم المجموع الفلسطيني ومجموع الأمة، و كيف يتصرف كل هؤلاء. أنا أعتقد أن هناك تعقيدات كثيرة، كلها تضع مستقبل عملية التسوية في مهب الريح. خلاف أوباما نتنياهو لكن هذا الاستيطان أثار حفيظة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأحدث خلافا بينه وبين نتنياهو، وهو ما تحاول السلطة الفلسطينية الاستفادة منه؟ هذا يدفعنا إلى أن نتحدث عن حقيقة ما يجري بين نتنياهو وأوباما، هل هناك أزمة فعلاً بين الولاياتالمتحدة والكيان الإسرائيلي؟ أنا أعتقد أن هناك أزمة، والأزمة بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو، وهي أزمة حقيقية، ولكنها لا تمس بأسس العلاقة الإستراتيجية بين الولاياتالمتحدة والكيان الإسرائيلي. إذاً ماذا تطال هذه الأزمة؟ الأزمة في جوهرها عبر عنها الجنرال بترايوس، والتقرير الذي أرسله إلى رئيس هيئة الأركان الأمريكية، مايكل مولن. هناك تباين في وجهة النظر بين الرؤية الأمريكية والرؤية الصهيونية فيما يتعلق بعملية التسوية ومجريات الأمور في المنطقة. اليوم هناك اعتقاد في أمريكا بأن ما تفعله إسرائيل في القدسوفلسطين وموقفها من عملية التسوية يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، بل يضر ويهدد الدم الأمريكي كما عبر عنه تقرير بترايوس. إلى أين يمكن أن يصل هذا الوضع بين الطرفين؟ أنا أعتقد أن هناك تجاذباً جديداً، والوقائع التي حصلت خلال الأسابيع الماضية، سواء في زيارة بايدن، أو في زيارة نتنياهو، وما جرى بينه وبين أوباما، كلها مؤشرات على أن هناك تبايناً في وجهات النظر بين الطرفين، والعلاقة تقف على مفترق طرق. برأيك هل سوف يتجه نتنياهو إلى التراجع والمحافظة على علاقات جيدة مع أوباما، أم يتجه إلى التصعيد بدعم من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا؟ حتى هذه اللحظة يصعب التنبؤ أي مسار يمكن أن يختار نتنياهو أو يختار أوباما. فإذا اختار نتنياهو التصعيد فسيكون لذلك ضرر على وضع إسرائيل أولاً، وعلى الرأي العام الأمريكي والغربي ثانياً، كما سيتضرر موقف اللوبي الصهيوني بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وإذا كان نتنياهو مدركاً لهذه الأمور واختار التصعيد، فمعنى هذا أننا قد نتوقع مفاجآت كبيرة وخطيرة في هذه العلاقة. وهنا قد يكون من المهم أن نستذكر ملف العلاقة بين الطرفين تاريخياً. هل نحن أمام تكرار سيناريو كيندي بن غوريون بين نتنياهو وأوباما؟ عندما حدثت الأزمة حول مفاعل "ديمونا" بين كيندي وبن غوريون. المؤرخون والوثائق قالوا لنا بأن بن غوريون خرج من اللقاء وقال "يبدو أن وجود رئيس كاثوليكي في البيت الأبيض مضر بمصلحة إسرائيل"، وبعد فترة يبدو أن الموساد تكفل مع الاستخبارات الأمريكية بإغلاق ملف كيندي، ليأتي جونسون من بعده وهذه قضية قيل فيها الكثير. ما لفت انتباهنا أنه عقب انتهاء لقاء نتنياهو أوباما، نتنياهو خرج بدون اتفاق، وأوباما كان مصراً على موقفه. ذهب نتنياهو إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ورشح أن أحد مساعدي ومرافقي نتنياهو، عندما سمع ما سرده نتنياهو، قال "يبدو أن أوباما هو أكبر كارثة على الدولة العبرية". هل نحن بانتظار -إذا اختار نتنياهو التصعيد- أن تغلق إسرائيل ملف أوباما على طريقة كيندي؟ أم إن الإدارة الأمريكية كما عودتنا تاريخياً هي التي ستتراجع وتتكيف مع متطلبات حكومة نتنياهو! حتى الآن يصعب الجزم أي الاتجاهات التي ستختار هذه الأطراف، وكلاهما حتى الآن حريص على التهدئة وعدم التصعيد. الموقف العربي ماذا عن الموقف العربي، وكيف قرأتم نتائج القمة العربية؟ الموقف العربي للأسف، هو الحلقة الأضعف في كل هذه المسألة، ونتائج القمة بالنسبة لنا كانت مخيبة للآمال، وليست على مستوى ما يحدث في القدس، وما تتعرض له الأرض والشعب والمقدسات من حملة تهويد وعدوان. نحن نعتقد أن إنقاذ القدس في هذه المرحلة يتطلب أكثر من بضع أو حفنة مئات من الدولارات، وهي أصلاً لن يسمح بإدخالها إلا بإذن من إسرائيل. لذلك، المعركة الحاصلة على القدس هي بنظرنا معركة كسر عظم في هذه المرحلة، وإن لم يتغير الموقف العربي ويأخذ انعطافة جديدة، أقلها كما قلنا عشية القمة سحب مبادرة السلام العربية، فإن القدس في خطر. العرب يلقون باللوم على الفلسطينيين بسبب حال الانقسام الداخلي، التي أضعفت الموقف العربي أمام إسرائيل؟ أنا أعتقد أن الحديث عن الانقسام أصبح ذريعة وشماعة يعلق عليها الهروب العربي من تحمل المسؤولية تجاه فلسطين والقضية الفلسطينية. قبل هذا الانقسام هل كان الموقف العربي منصفاً وداعماً كما ينبغي للقضية الفلسطينية! أنا أعتقد أن المسألة ليست مسألة الانقسام، الانقسام هو نتيجة وليس سبباً. هناك خلاف في الساحة الفلسطينية، خلاف في الرؤى، وخلاف في البرامج، أي إن هنالك مشروعين في الساحة الفلسطينية، مشروع مقاومة، ومشروع تسوية، على هذه الخلفية وقع الانقسام ومازال مستمراً حتى اللحظة. جهود المصالحة السعودية بذلت جهودا للمصالحة الفلسطينية في مكةالمكرمة، ومصر كذلك في اتفاق القاهرة، إلا أن الفلسطينيين هم من لم يتفقوا؟ اتفاق القاهرة ابحث عن المسؤول عن عدم تطبيقه، وهو رئيس السلطة (محمود عباس) ومن يدعمه. أما واقع الانقسام الحالي فهو بالتأكيد لا يسر أحدا، والجهود التي بذلت من أجل المصالحة وتبذل حتى الآن، نحن نؤيدها ونباركها. ولكن على أي أساس نحن مع المصالحة؟ نحن مع المصالحة على قاعدة المقاومة والحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية. لكن، عندما نرى أن المصالحة تريد أن تسحب الوضع الفلسطيني كله باتجاه رؤية وبرنامج محدد ينسف هذه الثوابت، عندها لا نعتقد أن المصالحة يمكن أن تكون هي الحل أو العنوان الذي نستعيد من خلاله الأرض والحقوق. وما هو البديل، هل هو الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني؟ نحن ضد الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني، ونحن ربما نكون الفصيل الوحيد الذي لم ينخرط في أي قتال داخلي، وأي اقتتال داخلي من وجهة نظرنا مدان، حيث ينبغي أن يتم تركيز الجهود على مواجهة العدو الصهيوني الذي يستهدف الجميع. لكن في المقابل، نحن نقول إن الأطراف التي ترعى المصالحة - وهنا أنا أتحدث عن مصر والسعودية- يجب أن لا تفقد الحماس وأن لا تفقد الأمل، لأن الوضع الفلسطيني معقد، وقضية فلسطين هي ليست مشكلة بين تنظيمين ولا بين عائلتين، ولم تبدأ بالأمس أو قبل سنة أو قبل عامين، قضية فلسطين منذ مئة عام هي مفتوحة ومفروضة على الجميع، والكل يدفع فاتورة هذا الجرح. والسعودية على وجه الخصوص يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في ملف المصالحة ومجمل الموضوع الفلسطيني، خاصة في ظل الخطر المحدق بالقدس. الورقة المصرية الحكومة المصرية قدمت ورقة للمصالحة وأعلنتم أنتم في "الجهاد الإسلامي" عدم موافقتكم عليها. ما هي تحفظاتكم على الورقة؟ أولاً، يهمني أن أؤكد مجدداً أن الورقة لم تقدم لنا رسمياً، ونحن قرأناها في الإعلام. ملاحظاتنا على هذه الورقة بالأساس أنها جمعت بين الحديث في تفاصيل المشكلة بين فتح وحماس كتنظيمين متنازعين في الساحة الفلسطينية، وبين ثوابت القضية الفلسطينية. لذلك، نحن في حديثنا مع الفصائل الفلسطينية الأخرى المعنية بهذا الموضوع كانت وجهة نظرنا أنه لابد من الفصل، إما أن تتم معالجة ثوابت القضية الفلسطينية ونتفق على برنامج وطني في هذه المرحلة، وهذا بتقديري صعب جداً أن يتم توافق على برنامج يرضي الجميع، أو أن تتم معالجة قضايا الخلاف بين فتح وحماس، سواء مسألة الانتخابات، أو الحكومة، أو الأجهزة الأمنية، وغيرها. إذا ذهبنا إلى هذا الاتجاه نحن لسنا طرفاً في السلطة، ولذلك من وجهة نظرنا فإن صياغة الورقة تتطلب معالجة تسمح لنا كتنظيم مقاوم غير مشارك في السلطة، وغير منخرط في هذه العملية المتنازع عليها اليوم بين فتح وحماس، أن نكون جزءاً من أي اتفاق قادم، أما الصيغة الحالية فهي تطلب منا أن نوقع على شيء نحن لسنا جزءاً منه. هناك جهود لإعادة المصالحة، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل زار العاصمة القطرية الدوحة. ما هي معلوماتكم عن هذه الجهود، وهل أنتم جزء منها؟ نحن لسنا جزءاً من الحراك الحالي في شأن المصالحة، لكن ما علمناه عن الجهود الحالية التي بدأت باتصالات مع السعودية، ومع مصر، والآن قطر، أنها اصطدمت بعقبة أساسية. الإخوان في "حماس" قالوا لنا كفصائل فلسطينية، بأن الموقف المصري مازال متشدداً ويطالب "حماس" بالقبول بشروط الرباعية، وشروط الرباعية هي، الاعتراف بإسرائيل، والقبول بما وقعت عليه السلطة الفلسطينية من التزامات واتفاقات - يعني اتفاق أوسلو- ثم الحديث عما يسمى بنبذ العنف، أي نبذ المقاومة. أنا لا أظن أن "حماس" قبل "الجهاد" يمكن أن تقبل بهذه الشروط، ولو قبلت "حماس" بهذه الشروط، فهي لا تعود "حماس". إطلاق الصواريخ بالأمس توافقتم مع "حماس" في غزة على وقف إطلاق الصواريخ من القطاع، ألا يعني ذلك تخليكم عن ممارسة المقاومة؟ أولاً، المقاومة ليست صواريخ فقط، وفي لقاء غزة وغيره من اللقاءات، نحن نؤكد على أن لدينا كقوى مقاومة تقدير موقف ينبع من إحساسنا بحاجات شعبنا وحاجة المقاومة في هذه المرحلة، إلى ترميم جراحات غزة، وإعادة بناء قوتها. ولذلك، فإن إطلاق الصواريخ أو عدم إطلاقها، مسألة تكتيكية لا تمس بجوهر موقفنا من المقاومة، بدليل ما حدث في "خانيونس" من عملية عسكرية استهدفت جنود الاحتلال الإسرائيلي. حركتكم أعلنت مسؤوليتها عن عملية "خانيونس"، وكذلك "حماس"، هل هناك نوع من التنازع، أم إنها عملية مشتركة، وما حقيقة ما جرى في "خانيونس"؟ يؤسفني أن أقول إذا أردنا أن نستند إلى مصادر العدو الصهيوني التي كانت مستهدفة بهذه العملية، فقد أكدت بأن العملية بدأت "باستهداف رجال الجهاد الإسلامي"، وأنا هنا أنقل النص حرفياً حيث وقع اشتباك بين مجاهدي "سرايا القدس" وبين الجيش الإسرائيلي، وسقط لنا ثلاثة شهداء في هذه العملية. الإخوة في "حماس" وبشكل متعجل أعلنوا بشكل منفرد مسؤوليتهم عن العملية، بدعوى أن مجاهدي "القسام" أيضاً انضموا إلى المواجهة عند وقوع الاشتباك. نحن لا ننفي مشاركة الإخوة في "حماس" في العملية، ولا أي فصيل آخر، ولكن نحن استغربنا السرعة التي تم فيها الإعلان المنفرد بتبني العملية من قبل "حماس"، وكنا نتمنى أن عملية من هذا النوع إما أن لا يكون هناك تبن من فصيل بعينه، ويعلن أن المقاومة الفلسطينية بالعموم تصدت لهذا العدوان الإسرائيلي، أو أن يتم إصدار بيان مشترك بين من شارك فعلاً. العلاقة مع "حماس" هذا يقودنا إلى سؤال عن طبيعة علاقتكم ب"حماس"، وما إذا كان ثمة تنافس بينكما؟ لا ننكر أن التنافس موجود، لكن نحن نقول إنه تنافس في الخير. والعلاقة بيننا وبين الإخوة في "حماس" علاقة جيدة. وفي أسس هذه العلاقة الإستراتيجية، ليس هناك أي خلاف بيننا وبينهم، لا في الأيديولوجيا، ولا في البرنامج السياسي القائل بتحرير كامل أرضنا فلسطين، ولا في تبني خيار المقاومة وممارسته. ما يقع من خلاف بيننا وبين "حماس" ما زلنا نعتبره ذا طابع تكتيكي ميداني، يمكن تجاوزه والتغلب عليه، ولا يمس بأصل وجوهر العلاقة التي ما زلنا نعتقد أنها علاقة جيدة، ونحن حريصون على تعزيزها والمحافظة عليها. وكيف هو مستوى التنسيق بينكم، سواء في المواقف السياسية أو العمليات على الأرض؟ التنسيق السياسي بالعموم موجود، ولكن أحياناً تغيب بعض التفاصيل. ميدانياً، العلاقة جيدة لكنها تتأثر كثيراً بواقع كل منطقة وطبيعة الأشخاص والأحداث التي تمر بها. في الشهر الأخير كانت هناك محاولات جادة قبل عملية "خانيونس" للتنسيق الميداني، وكان هناك لقاءات هامة بين قيادات من "كتائب القسام" وقيادات من "سرايا القدس" في قطاع غزة، وكانت هذه اللقاءات تتم برعاية القيادة السياسية في الحركتين وتوجيهاتها. سلام فياض والدولة الفلسطينية ألا تعتقد أن القدس ستتوج قريباً عاصمة للدولة الفلسطينية، التي أعلنها رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض، أنه سوف يتم الإعلام عنها في عام 2011، ودعا كذلك إلى عودة اللاجئين إلى أراضي هذه الدولة؟ أنا أشكرك على هذا السؤال، وعلى هذا الاستهلال، إذا كان هناك دولة فلسطينية كالتي يتحدث عنها سلام فياض، فأنا أؤكد لك أنها بدون القدس، لأننا بدأنا حديثنا بأن أهم دلالات ما يجري في القدس أنه يعكس موقف نتنياهو أي لا دولة فلسطينية في حدود 67 عاصمتها القدس ما الذي يتحدث عنه سلام فياض إذاً؟ إن قدر لهذه الأزمة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية أن تنتهي بدون تصعيد وبدون مواجهة، فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن يعود الديموقراطيون إلى خطة كلينتون، التي تقفز على حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس، وتتبنى مشاركة عربية في فرض تسوية تقوم على قاعدة التبادل في الأراضي، ويشارك في هذا التبادل مصر بأن تعطي الفلسطينيين جزءا من سيناء، من رفح حتى العريش، وأن يأخذ الإسرائيليون ما سيطروا عليه في الضفة الغربية بالاستيطان، وتدخل الأردن على المعادلة بإعطاء نفق بينها وبين مصر. هذه النظرية الآن تعود من جديد، ويتبناها في إسرائيل جنرالات متقاعدون، مثل غيورا أيلاند وغيره، ومراكز دراسات كمركز "بيجن – السادات"، ويستمع لها الديموقراطيون باهتمام كبير في الولاياتالمتحدةالأمريكية. هذه الفكرة تقوم على النظر إلى إسرائيل ككيان طبيعي، وكلاعب أساسي، وشريك في صياغة النظام الإقليمي في المنطقة، وأن مسألة فلسطين هي مسألة حسابات وكسور عشرية في الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك ما يقوم به سلام فياض خطير جداً. ما هو وجه الخطورة هنا؟ خطورة هذا الطرح لابد أن نوضحها كالتالي، منذ بداية الصراع إلى اليوم هناك مسألتان أساسيتان في تاريخ الصراع على فلسطين: بعد قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، برز في سياق هذا الصراع ما عرف بآثار النكبة وهي بشكل أساسي مسألة اللاجئين وحق العودة، النظام العربي حاول تحرير فلسطين، لكنه أخفق، ثم جاءت سنة 1967، وبرز ما عرف بآثار نكسة أو عدوان 67، الجرم الكبير الذي ارتكب في "أوسلو" أنه تم الاعتراف مجاناً ومسبقاً بإسرائيل في حدود 48، أي تم إسقاط آثار النكبة عندما قبلوا بأن القضية الفلسطينية تحل في حدود 67، ثم تم تعريف الأراضي المحتلة عام 67 بأنها "أراضٍ متنازع عليها". اليوم سلام فياض يقول لنا انسوا كل شيء يتعلق بآثار نكبة 48، وتعالوا نتقاسم نحن وهم الأرض المتنازع عليها بالأسلوب وبالطريقة التي تريحهم، وتسهل استكمال مخططاتهم في القدس وغيرها. وهل يعني ذلك إسقاط عودة اللاجئين؟ طبعاً، هذا أهم ما يتضمنه إعلانه، إسقاط حق العودة، أو اللعب والتزوير فيه. نظام "ما بعد الفصائل" هنالك معلومات تشير إلى أن السيد سلام فياض تبنى هذا الطرح بسبب عقم خيار المقاومة، وأنها لم تنتج الدولة المنشودة، خصوصاً بعد حدوث بعض الصراعات بين الفصائل الفلسطينية، لذلك هم يتحدثون الآن عن إقامة نظام سياسي فلسطيني جديد أسموه "ما بعد الفصائل"؟ من يتحدث عن عقم المقاومة بنظري، هو المصاب بالعقم السياسي والفكري، وحتى الأخلاقي. المقاومة في منشئها جاءت كرد فعل على وجود احتلال أجنبي لأرضنا، والمشروع الصهيوني اقتلعنا من وطننا بقوة السلاح، فالشعب الفلسطيني يحمل السلاح ويقاوم كما تفعل كل شعوب الأرض الحرة إذا تعرضت لاحتلال وغزو أجنبي، ثم إن المقاومة خلال العقدين الماضيين حققت إنجازات لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة. والمقاومة الآن في قطاع غزة بعد كل ما فعله العدو، أنا أؤكد لك أنها أقوى عشرات المرات مما كانت عليه وقت حرب غزة أو قبلها. لكن لو رجعنا إلى الحديث عن "ما بعد الفصائل" ماذا يعني لك هذا الكلام؟ من يقولون إنهم يريدون أن يبنوا نظاماً سياسياً يقوم على "ما بعد الفصائل"، ما بعد الفصائل يعني ما بعد المقاومة، وما بعد المقاومة في ظل وجود احتلال، يعني ما بعد فلسطين. لذلك، جوهر وحقيقة مشروع هؤلاء قائم على تصفية قضية فلسطين، وهذا هو جوهر مشروع التسوية. لكن نحن نقول إن هذا لن يمر، الشعب الفلسطيني اليوم عدده في العالم أكثر من 11 مليون نسمة، يعني الفلسطينيون وحدهم يقارب عددهم من عدد اليهود كلهم في العالم، والمسألة الديموغرافية مسألة أساسية وإستراتيجية في مسار هذا الصراع. الحرب على غزة والمنطقة صرح الأستاذ زياد نخالة بأنكم تتوقعون حرباً جديدة على غزة في الصيف القادم. ما هي معطياتكم في هذا الموضوع؟ غزة دائماً في مرمى النار، والمسألة بيننا وبين العدو الإسرائيلي في غزة كر وفر. ربما في وقت من الأوقات تنزلق المواجهات بيننا وبينهم إلى حرب واسعة، أو قد يلجأ العدو نتيجة حسابات داخلية أو معطيات إقليمية إلى أن يختار الذهاب إلى حرب سواء في غزة أو في غير غزة. هل تعتقد أنه يمكن أن تقع حرب في مكان آخر غير غزة في المنطقة؟ بالنسبة لفكرة الحرب في المنطقة، فأنا أعتقد أن الكيان الإسرائيلي مسكون بالحرب لأنه يعيش هاجس الخطر على الوجود أكثر من أي وقت مضى. لكن الذي يكبح جماحه عن أي قرار بالحرب هو عدم تأكده من نتائج أي حرب قادمة في المنطقة، ولو كان مطمئناً إلى النتائج ربما لاشتعلت الحرب بالأمس قبل اليوم و قبل الغد. وكوابح القرار الإسرائيلي بالحرب تتعلق أولاً، بأن الحرب لم تعد نزهة سواء إزاء المقاومة في لبنان أو سوريا أو فلسطين، أو إيران، هو لا يعرف من يحارب ومتى وكيف. لذلك، أنا أعتقد أن العدو الآن يهرب من قرار الحرب إلى التركيز على الإعداد والجهوزية الدائمة للحرب، تحسباً لأي ظرف سياسي أو أمني يحدث على أي جبهة، ليذهب إلى الحرب. على ذكر إيران أشرت في مقابلة سابقة لك، في أي حرب عربية صهيونية فإن المقاومة الفلسطينية لن تقف على الحياد، فهل هذا يعني أنه في حال تعرض إيران لضربة ستشعلون جبهة غزة؟ أولاً، نحن لسنا دولة عظمى تشكل مظلة حماية لدولة بحجم إيران، أنا متأكد أن إيران تملك من القوة ما تستطيع أن تدافع به عن نفسها في مواجهة أي تهديد من أي طرف كان وبالذات الكيان الصهيوني، ولكن حديثي كان في سياق تهديد العدو الإسرائيلي لأطراف ومحور المقاومة في المنطقة، فأنا قلت وأكرر بأن أي عدوان على أي طرف هو عدوان على الجميع بطبيعة الحال، كيف يمكن أن تستهدف سوريا ونحن فيها من قبل إسرائيل ولا نقاتل إسرائيل! كيف يمكن أن تستهدف إيران بسببنا وبتهمة دعمها المقاومة الفلسطينية ويقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي! من حقنا في لحظة اشتعال المواجهة بين هذا الكيان وبين أي طرف عربي وإسلامي، بل من واجبنا أن نكون في المقدمة، لأن أي صراع مع هذا الكيان عنوانه أولاً وأخيراً هو فلسطين. المحور الإيراني هذا يقودني إلى سؤال، حيث البعض يعتبركم بهذا الموقف وكأنكم أداة في المحور الإيراني؟ أنا قلت مراراً في الحديث عن علاقتنا بإيران، إن اتهام المقاومة بأنها أداة في يد أي طرف هو إهانة للشعب الفلسطيني. نحن أصحاب الأرض، ونحن أصحاب الحق، ونحن الذين نتعرض للعدوان والظلم والاضطهاد، وإيران كبلد مسلم يأتي من على بعد آلاف الأميال ويمد يد العون والمساندة لنا، كيف نتهم بأننا أداة في يد إيران! هذا الاتهام فيه حرف للأنظار عن حقيقة الصراع. لكن هنالك نظرة تعتبركم أنكم و"حزب الله" و"حماس" امتداد للتغلغل الفارسي في البلاد العربية، كما أنكم تسوقون لمشروعها السياسي؟ إذا كان البعض يصر على أن إيران دولة فارسية ولديها مشروع اختراق للعالم العربي، سواء على أسس قومية أو على أسس طائفية ومذهبية، نحن نقول تفضلوا واطرحوا مشروعكم لمواجهة هذا التغلغل وقبله لمواجهة إسرائيل، ونحن جاهزون لأن نكون جزءاً من مشروع عربي مهمته تحصين الجبهة العربية على كل المستويات، وفي مواجهة إسرائيل أولاً. أما أن يأتي البعض ليجعل لنا من إيران عدوا افتراضيا، ويقول لنا أغمضوا عيونكم عن العدو الواقع إسرائيل، وحولوا جهودكم ومقاومتكم باتجاه عدو اسمه العدو الفارسي، من يريد ذلك، هي إسرائيل وأعداء الأمة. العدو الوحيد لنا والأبدي في هذه المنطقة إلى أن تتحرر فلسطين هو إسرائيل، وإيران حتى بلغة القمة العربية قبل أيام، هي بلد جوار مسلم، ليس بيننا وبينه إلا الحوار والتفاهم والتعاون، على ما فيه مصلحة وخير الأم