كعادتها قبل أي انتخابات، قامت إسرائيل بهجوم على غزة المحاصرة، مخلفة عشرات القتلى والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، ومبررة عملها بأنه دفاع عن النفس، ورداً على استفزازات وخروقات الفصائل الفلسطينية في القطاع، إذ بدأت عمليتها باغتيال قائد كتائب عزالدين القسام، وهي الجناح العسكري لحركة حماس، التي تسيطر على القطاع منذ فوزها بأول وآخر انتخابات تشريعية، والتي لم ترضِ نتائج تلك الانتخابات الغرب، ما شجع الكيان الصهيوني على شن الهجمات والحروب على القطاع بشكل شبه سنوي، أو عند الشروع في أي انتخابات تشريعية للكنيست الإسرائيلي، مستفيدة من حال الوهن والتشرذم العربي التي وصلت إلى درجة لم يعد ينفع معها أي علاج. يعتقد المراقبون، أن المبررات الإسرائيلية لحربها على غزة واهية وغير مقنعة، لذلك نعتقد أن هناك أهدافاً ومبررات أخرى، من بينها الانتخابات التشريعية المقبلة، التي أعلن عنها نتنياهو بتحالفه مع حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة وزير خارجيته المتطرف ليبرمان، حتى يحصلوا على غالبية في الكنيست، يستطيعون من خلالها تمرير أهدافهم المتطرفة والقضاء على أي فرصة لحل سلمي للقضية الفلسطينية، يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، كما أن إحراج دول الربيع العربي، خصوصاً مصر، هي هدف ثانٍ للحملة العسكرية على غزة، إظهاراً لمن يتعلق بأمل من مصر، خصوصاً «حماس» وغيرها من الفصائل الأخرى، أن مصر لا تستطيع فعل أي شيء بالنسبة لإسرائيل، لأنها مقيدة باتفاق كامب دافيد، وكذلك تصارع الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، فالحل أمام الفلسطينيين هو الاستسلام للواقع الإسرائيلي، وهذا هو ما تريده إسرائيل من حملتها هذه، وصول الفلسطينيين إلى حال اليأس والاستسلام. بالنسبة للموقف الفلسطيني، بشكله العام هو في أضعف حالاته، فالصراع الداخلي بين فتح وحماس وصل إلى أقصى حالاته، إذ فشلت جميع الجهود العربية وغير العربية برأب الصدع وإنهاء الخلافات بين الطرفين، لكن يبدو أن كلاً منهما متمسك بمواقفه، ويعزز سلطته على الأرض - حماس في غزة، وفتح في الضفة الغربية - متناسين المواطن الفلسطيني الذي يعاني من استمرار الخلاف بينهما، فهو الخاسر الوحيد، ولذلك خلال هذه الحرب، كان الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يمثله محمود عباس يدعو لوقف الحرب، ويدعو للمصالحة بين حماس وفتح، بينما الفصائل الأخرى في غزة بزعامة حماس تدعو للمقاومة والجهاد حتى تحقيق أهدافها بفك الحصار وفتح المعابر من دون شروط. المواقف العربية تنوعت، بحسب توقعات أهل غزة، الذين راهنوا على دول الربيع العربي، لكن مواقف هذه الدول لم تتغير، إذ اكتفت مصر بدور الوسيط بين الطرفين، كما فعلت أيام حسني مبارك، وقامت بنقل طلبات كل فريق للآخر، وهو موقف برره رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، بينما يتوقع العامة من أهل غزة موقفاً آخر من مصر، التي تغيرت بعد الثورة على مبارك ونظامه، لكن الواقع يقول إن مصر لا تستطيع أن تفعل أي شيء حتى وإن رفعت نبرتها الإعلامية، وكذلك بالنسبة لتونس وغيرهما من دول الربيع العربي. لم يفاجأ المواطن العربي بمواقف الدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، التي أعلنت ومنذ البداية دعمها وتبريرها للعدوان الإسرائيلي، سواء من خلال التصريحات الصحافية لكبار مسؤوليها، أو من خلال مواقفها في مجلس الأمن الدولي والمحافل الدولية الأخرى، وكذلك طلبها من «حماس»، وهي الضحية، أن توقف ضربها للمدن والمواقع الإسرائيلية، وبذلك تصور للرأي العام الغربي وكأن حماس هي المعتدية، وإسرائيل الضحية، متناسية كل ما تدعو له في المحافل الدولية باحترام حقوق الإنسان، وحماية المواطنين العُزل، وناسفة بعرض القانون الدولي، مظهرة مرة أخرى دعمها غير المحدود والأعمى للكيان الصهيوني الغاصب، خصوصاً من الإدارة الأميركية التي تعتبر الحليف الأول والأقوى لهذا الكيان. في كثير من الأحيان يحتاج السياسيون إلى تحريك الوضع عسكرياً في حال وصوله إلى حال الانسداد في المواقف، ولذلك يقومون بتحريك الوضع عسكرياً للدخول في مفاوضات جديدة، وتعزيز مواقعهم التفاوضية، والتوجه للمفاوضات، إذ يبدو أنه مطلب من مطالب حماس، خصوصاً بعد أن فكت ارتباطها مع إيران، لكن المؤشرات تدل على أن إسرائيل هي من أثارت الوضع المتأزم، من خلال استهدافها كوادر الجناح العسكري لحماس، وعلى رأسها «أحمد الجعبري»، القائد العسكري لكتائب القسام، محاولة إضعاف حماس عسكرياً، متناسية أن هناك فصائل أخرى كالجهاد الإسلامي، وغيرها مستعدة للقتال وعدم الرضوخ، ولذلك يتساءل المراقبون عن مدى سيطرة حماس على قطاع غزة عسكرياً، واستئثارها بالقرار العسكري، بعد أن استأثرت بالقرار السياسي، محاولة تهدئة الأمور حتى تجتاز مصر الصعوبات السياسية والاقتصادية في المرحلة الراهنة، لكن يبدو أن هناك فصائل في غزة تعارض حماس في توجهها الجديد، إذ تفضل هذه الفصائل عدم الانتظار، والبدء بالمواجهة مع إسرائيل، متناسية أن ميزان القوة يميل لمصلحة العدو الإسرائيلي بشكل كبير، وهو مؤشر يجعل الأوضاع في غزة تتجه إلى مزيد من التصعيد والمواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل، وإحراج دول الربيع العربي، خصوصاً مصر، التي يتوقع عامة أهل غزة والشعوب العربية الكثير منها. في ظل الوضع الراهن، نعتقد أن «حماس» ستواجه موقفاً صعباً في ظل اختلال توازن القوى، ولذلك هناك احتمال بقبول التهدئة والدخول في مفاوضات تفضي إلى اتفاق هدنة يُبقي الأوضاع على ما هي عليه، بعد أن يتم تدمير الكثير من البنية التحتية في القطاع التي هي أصلاً مدمرة، والضغط على حماس وجرها للتفاوض من موقع الضعف، بينما الطرف الآخر – الإسرائيلي - يمتلك زمام المبادرة من خلال امتلاكه القوة، ويحاول أن يفرض شروطه على الجانب الفلسطيني، على رغم أن المقاومة المسلحة الفلسطينية، فاجأت الجانب الإسرائيلي، بتطور أسلحتها كماً ونوعاً ووصولها إلى مناطق لم تكن في مرماها في حرب 2008. السؤال المطروح دائماً هو: لماذا تبدأ إسرائيل الحرب على العرب وتنهيها متى شاءت؟ فهل تستطيع «حماس» أن تُغير قواعد اللعبة هذه المرة؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]