أختلف تمام الاختلاف مع من ينادي الدعاة للخروج من تويتر ، وأختلف مع من يطالبهم بإيقاف تغريداتهم فيه ، وأرى أن رأيًا كهذا لا يصبّ أبدًا في المصلحة العامة للدعوة ، بعد أن طالبنا وطالبنا مرارًا وتكرارًا بأن يواكب دعاتنا الأفاضل المستجدات المصيرية في الحياة ، وأن يجدّدوا من أساليبهم الدعوية التقليدية ، وألححنا في نداءاتنا بأن يسايروا مستجدات العصر بآليات وأساليب حديثة ، قادرة على صنع خطاب دعوي معاصر ولحظي للدعوة ، يجعله يتماشى ويتناغم مع ما يعيشه الكون من نقلةٍ نوعيةٍ على مستوى طرائق تواصله ومصادر معلوماته ودرجات علاقاته. وقد حدث ذلك بالفعل ، فقد استثمر الدعاة الأفاضل الطائر الأزرق ولفتهم التغريد المستمر في فضائه ، فأصبح لدينا دعاة ناشطون جدًا في تويتر وعالمه المليء بالمفاجآت والمماحكات وسرعة التأثير ، لذا لم تكن جاذبيته حكرًا على الدعاة فحسب ، بل كل رموز المجتمعات والمشاهير ، فالجاذبية التي اتسم بها (تويتر) تشكّلت من بساطة وسهولة التعاطي معه ، ومن سرعة تأثيره ، مما أكد حب النفس البشرية للحضور والتعبير عمّا يختلجها ، ورغبتها الجامحة في مشاركة الآخرين والتداخل معهم بالرأي والمشورة ، فقط غرّد ببضع كلمات ويُنصت إليك العالم بأسره في التو واللحظة!! ولكن ، ألستم معي في كون هذه البساطة والسهولة التي يوفرها (تويتر) لكل المنتمين إلى عالمه هي مكمن الخطر فيه ، وهي الفخ الذي ينصبه للمغرّدين ، فبساطة التعبير وسرعة تأثيره يغرياننا ويفتناننا للتفاعل مع كل ما يُطرح من قضايا ومشكلات ، حتى أننا لا نصحو من تأثير إغراءاته إلا بعد أن نتلقى ردود فعل عنيفة تجاه تغريدة كتبناها وأطلقناها على عجل ، لنكتشف بعدها أنها زلزلت الدنيا فنعضّ أصابع الندم ولات حين ندم! من هنا يمكنني التحدث عن المسؤولية الكبيرة الواقعة على الدعاة بصورةٍ خاصة خلال تعاطيهم مع مواقع حساسة كتويتر ، ومع بساطته المغرية/ الفخ ، فمن يحمل راية الدين داعيًا وواعظًا وناصحًا عليه أن يكون أكثر حرصًا ووقاية فيما يقول ويفعل ، فالمنطق يقول إن من سمات شخصية الداعية التعقل والرزانة والانضباطية ، وكلنا يدرك هذا. ليأتي السؤال الأهم : هل بلغ إغراء (تويتر) حدًا لم نعُد نعرف فيه حدود تخصّصاتنا ومجالاتنا! حتى يتحوّل الداعية بين ليلة وضحاها إلى رجل سياسة ليقرّر مصير شعوب وأوطان؟ أو يتحوّل السياسي إلى مفتي دين؟ ولاعب الكرة إلى مصلح اجتماعي؟ ، والإعلامي إلى خبير استراتيجي فيتكلم عن مخططات مستقبلية وخططٍ كونية؟ ، ولكن الحقيقة تقول إن ذلك وقع بالفعل ، وأن فخ (تويتر) وعالمه المدهش وجاذبية بساطته وسهولته غطت على أعيننا. وإلا كيف تحوّل بعض هؤلاء من الدعاة والمشاهير والسياسيين والاعلاميين وغيرهم وبين ليلة وضحاها إلى خبراء يفتون في كل شأن وأمر ، بيد أن الخطر الأشد ألمسه فيمن تجاوزوا المعقول في استثمار تويتر، فوجّهوا في بعض تغريداتهم الشاطحة الرأي العام ، فيما لا ينفع الوطن ولا مصلحة الأمة ، فأثاروا النعرات وسبوا الطوائف والملل ، ومثل هذا خلط كبير لن يقبله الناس ولن يصدّقوه ، بل إن الجماهير المتحلقة حول هذا أو ذاك ستكون أول مَن يفرّ منه ، لأن الناس يدركون الرزانة من عدمها ، ويعرفون المستعرضين من الصادقين ، ويقيسون المصداقية من عدمها!.