يُمثّل الخلل الفكري خطراً أشد على الفرد والمجتمع يتجاوز أخطار القوى المادية والترسانات العسكرية ، ويحضر السؤال الجوهري عن سر تقدمية الغرب وتخلف المسلمين؟ ، وربما حكم البعض عن جهل بأن الإسلام أحد أسباب التخلف ، وفي هذا تجن على الحقيقة ومغالطة للسياق التاريخي وإغفال روح النصوص المعنيّة بالبناء والأخذ بأسباب التقدم والرخاء وحفظ الحقوق ، فالإسلام تقدمي بروح نصوصه الوثابة لخدمة الإنسان وتيسير أموره وتحقيق مفهوم الاستخلاف في الأرض ، ومن الإنصاف حين ندرس الإسلام بوعي أن نصف الغرب بتبني منهج الإسلام الجوهري في معظم شؤونه من خلال جودة الفكر وانفتاح آفاق العلم وإتقان الإدارة ووضع الأنظمة والقوانين الضابطة علاقة الدولة بشعبها وفق آلية الحقوق والواجبات ، وفي ظل ما حققه الغربُ من طفرات معرفية وعلمية واقتصادية وما حققه لمجتمعاته بقدرات شعوبها من التجارب الإنسانية والمنجزات الحضارية في البناء وخدمة البشرية في كل فن عبر ما يزيد عن قرن من الزمان واحتلالهم مرتبة العالم الأول ، نظل تتلبسنا ظاهرة التغني بأمجاد أسلافنا واستحضار بطولات أجدادنا ، ما شاب نظرتنا للمستقبل الكثير من الماضوية ، فمع كل منجز لمن نصنفهم (كفرة وفجرة) نتردى نحن في شعورنا وظهورنا ونرسم بتصرفاتنا صورة مشوهة للدين ، برغم يقيننا أنه دين قويم بسعته وصالح بشموليته ومنفتح بقبوله للتأويل وتعدد وتجدد القراءات ، فالمسلمون اليوم يرون أنفسهم الصفوة ، علماً بأن جُل اشتغالاتهم لا تعد الإسلام الشكلي الشعائري فالدائرة الكبرى الآسرة لمعظمنا تتمثل في فتاوى الفقهاء عن نواقض الوضوء ومبطلات الصوم ومحظورات الإحرام ، وبالعودة للحقب المُضيئة في عالمنا العربي تتجلى في مصر تجربة محمد علي وما قرره من برنامج إصلاحي للإدارة ونظام الضرائب ووضع أسس الاقتصاد العصري ، وأرسل البعثات إلى الخارج ما أهّل مصر للنهوض عسكرياً وتعليمياً وصناعياً وزراعياً وتجارياً وأحالها إلى دولة ذات ثقل حيناً من الدهر من 1805م إلى 1848م ، إلا أن التطور والتحديث لا يغني شيئاً ما لم تتوفر إدارة فاعلة قلبها على البلد وأهله ، فلم تتدرج مصر إلى قوة مضاعفة بل تردتْ بتردي خلفائها وتفريطهم في ما حققه الباشا من مكاسب ، ولا يمكن إغفال دور طلعت حرب نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين فهو مؤسس بنك مصر ومجموعة شركاته التي أسهمت في إنشاء شركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين ومصر للسياحة وأستديو مصر ، وفي عالمنا الإسلامي تشمخ التجربة الماليزية بحضاريتها وحداثتها مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ، وتبرز منجزات تركيا العصرية كأنموذج يتجدد لقدرات الشباب الواثق بقدراته والمنطلق من ثوابته والمتصالح مع عصره ، وما تحقق منذ أيام من فوز المرشح المصري الدكتور محمد مرسي مبهج نظرياً بحكم التحولات وسنسعدُ لو نجح الرئيس وفريقه في استيعاب معطيات العصر ومسايرة الراهن ورسم اللحظات المُضيئة دون أدلجة.