من الصعب جدا على بعض النفوس المكوث لفترة في محطة واحدة من محطات حياتهم. ومن المحطات ما لا نرغب في اكتشافها لأننا نظن أنها خصصت للمرور العابر فقط. يختلف المناسب فعله في وضع (الترانزيت) هذا بحسب نوعية رحلتنا السابقة! فإذا كانت صعبة مليئة بالتحديات المؤذية للروح ، وانتهت بنا مهزومة أحلامنا ، فإن الرضوخ للانهزام ولو لفترة وجيزة نعود خلالها إلى توازننا ونصقل فيها أحلاماً جديدة ، هو جزء مهم من عملية دفن عمق مؤلم في الروح يجب أن نعترف بوجوده. نحن بحاجة إلى الاستسلام قليلا للأحزان واعطائها حقها المشروع -إلى حد ما- من وعينا وقوتنا أو حتى ألمنا وانحدار دموعنا ، لنشعر بعد ذلك بلذة الانتصار عليها ونشوة التخفف منها. اكتشفت دراسة حديثة في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية أن الإنسان في حزنه يكون أكثر انتباهًا وفطنة لما يدور حوله ، وأكثر نجاحًا في ايصال أفكاره وأقدر على صناعة القرار. كما يقول باحث الدراسة جو فورغاس: الحزانى أقل ارتكابًا للأخطاء! كل هذه الأمور الإيجابية للحزن ، في حال الوعي بها ، ستنتقل بنا بصورة أسرع إلى محطة جميلة وجديدة من الحياة. من ناحية ثانية فإن الانتظار على (جانب) الحياة بعد رحلة ماتعة أو ناجحة ، فيه مشقة على النفس. فبعد الإثمار يُتوقع الحصاد ، وعندما يتأخر الحصاد يبدأ القلق وقد يصل هذا القلق إلى يأس يذوي بمكتسبات الرحلة. هنا يجب علينا أن ندرك أن ثمار الرحلة الشهية بحوزتنا ، ومكتسباتها لا تحتاج إلى حصاد فهي ملك لنا الآن ، تشغيلها واستغلالها يبدأ من عندنا قبل أن يحدث من قِبل غيرنا. إن الهدوء بعد الصخب مرحلة مهمة لإحصاء مكتسبات الرحلة واكتشاف توائم (غير شبيهة) لها كانت بحوزتنا من قبل ، وتزاوج المعطيات بالمكتسبات يحتاج هذا الهدوء الجميل لينجح. فالمهندس الكيميائي قد يضيف قضية اجتماعية إلى قائمة أهدافه ويبرع في دعمها ، وصاحب القلب المترقب في قصة حب فقدت بريقها قد يصبح شاعرًا جميلًا ... و هكذا. الركون إلى واقع خذلنا ليس الهدف إطلاقا من هذا المقال ، إنما استغلال هذا (الركون) المؤقت والخروج منه بأفضل النتائج هو القصد من وراءه ... ولعل الغرض يتم في قول الأمريكي الساخر ويل روجرز: حتى لو كنت في الطريق الصحيح فسيُقضى عليك (دهسًا) إذا أطلت الجلوس فيه!