هاتفني أبو أحمد معَّلقاً على قصيدة لي نُشِرَتْ في هذه الزاوية يوم السبت الثالث من الشهر الرابع من عام 1433ه بعنوان (غَيْثُ القرآن) وأبدى لي ثلاث ملحوظات قال: إنَّها أثَّرتْ في استرسال قراءته للقصيدة وهزَّت جانب الاستمتاع بتسلسل معانيها ووزنها ، وأشاد كثيراً بعنوانها قائلاً: إنَّ الغيث الهنيء المريء هو الوصف الأجمل لغيث جمال القرآن الكريم وكماله. أما ملحوظاته الثلاث ، فإنَّ إحداها كانت بسبب عدم إدراكه لمعنى الكلمة التي انتقدها في القافية وهي في البيت: وقامت به في الناطقين بلاغةٌ=بأسمى علامات البيان تُعَلَّمُ قال: إنَّ كلمة (تُعلَّم) أضعفت المعنى فتعليم علامات البيان من المعاني المعتادة ، وقد جاءت قبلها بأربعة أبيات كلمة يتعلَّم ، وهذا ما لم أستطع الانسجام معه حين قراءته. قلت له: كلامك صحيح لو كان معنى كلمة (تُعَلَّم) في البيت التعليم ، فعاجلني قائلاً وهو يتبسم ، وهل تحتمل هذه الكلمة غير معنى التعليم ، ثم تابع مازحاً ، هل ستضيف أنت معنى جديداً لهذه الكلمة ؟ قلت له: أمهلْني حتى أُكمل ، فمشكلة كثير من المحاورين أنهم لا يُصغون للمتحدث حتى يكتمل كلامه لتكون إجاباتهم وتعليقاتهم منطلقة من فهم كاملٍ لما أراد ، قال لي: تفضل أكمل. قلت له: مَعْنَى (تُعَلَّم) هنا: تُوْضَعُ عليها علامات البيان ، وتُرْسَمُ على ردائها البلاغي الجميل ، ومنها القميصُ المعلَّم الذي عليه خطوط وعلامات وفي إيراد كلمة (علامات) في البيت ما يؤكد هذا المعنى المراد وهو غير معنى تعليم العلم كما ترى. قال بصوت مرتفع: (خلاص) فهمت ، فهمت ؛ لا أدري كيف غاب عني هذا المعنى مع وضوحه ، ثم تابع قائلاً: أما الملحوظتان الأخريان فأنا متأكد منهما. قلت له: نعم أصبت فيهما ، وهما من الأخطاء الطباعيَّة التي لا مناص منها ، مع أنَّ الشعر نَصٌ دقيق بسبب الوزن ودقَّة الإيقاع ، فإنَّ نَقْصَ أو زيادةَ حرفٍ فيه يمكن أن تكسر وزنه ، وهذا ما حدث في ملحوظتيك الأُخريين ، وحينما سألتُه: هل حاولتَ بما لك من معرفة بأوزان الشعر أن تصحِّح ؟ قال: كلا ، بل رأيت في ذلك فرصة مناسبة للاتصال بك بعد طول انقطاع. قلت له: أما البيت: إذا قيل: عِلْمٌ ، طيَّب اللهُ نبعه=(فيعلم) كتاب الله ، يُتْلَى ويُفَْهَمُ فإن الطابع زاد الياء في (فيعلم) فكسرت الوزن والصَّواب الذي لا يصلح الوزن والمعنى أيضاً إلاَّ به ، حذف الياء (فَعِلْم) فيصير (فَعِلْمُ كتاب الله ، يُتْلَى ويُفْهَمُ) وفي البيت الثاني مكان الملحوظة الثانية: وعِلْمٌ بأسباب النزول (مُكْتَمِلٌ)=وعِلْمٌ ، به نُطْقُ اللِّسانِ يُقَوَّمُ فإنَّ الطابع زاد التاء في (مكتمل) فكسرت الوزن وغيَّرت المعنى ، والصَّواب (مُكَمِّلٌ). ودَّعت أبا أحمد وأنا أقول: ليت مصحِّح الجريدة يزيد من تركيزه في تصحيح الشعر بعد طباعته ، مع أن الأخطاء الطباعية عيب شائع عالمياً يصعب التخلُّص منه. إشارة: تلا المصطفى آيَ الكتاب فأشرقت=كواكب من حُسن البيان وأَنْجُمُ