لأن الأمة الإسلامية تعاني من ضعفها ، وتفككها ، وتمزق شمل شعوبها ، واختلاف ولاءات واتجاهات ولاة أمرها ، كما تعاني من ضعف عام في ثقافة معظم أبنائها وبناتها الإسلامية ، ومعلوماتهم الشرعية ، بالرغم من انتشار مدارسها وجامعاتها ، وكثرة المحاضرات والدروس والبرامج الدينية فيها ، ما تعاني من ضعف شخصيتها أمام أعدائها الذين تغلغلوا في سياستها ، واقتصادها ، ومجتمعاتها ، وعقول أبنائها وبناتها. أقول: لأن الأمة الإسلامية تعاني من هذا الضعف العام ، فقد أصبحت ميداناً لشبهات وشهوات تنتشر فيها كانتشار النار في الهشيم ، كما أصبحت ميداناً لصراعات عقدية وفكرية وثقافية تستطل أحياناً بظل (الخلاف في الرأي) و (الحوار والمناقشة) ، ولكنها في حقيقتها لا تخرج عن إطار الصراع الذي يجد مجالاً مفتوحاً عبر وسائل الإعلام والنشر من فضائيات ومواقع شبكية وصحف ومجلات تستزيد من ذلك الصراع ، وتزيد من اشتعاله لأنها تتغذى به ، وتعيش على أصدائه المثيرة. إنها الفتن التي يرقق بعضها بعضاً ، نراها كالتيار الذي لا يهدأ تختطف من رجال العلم والفكر والإعلام والسياسة من تختطف ، وتختلس منا الدعاة والمصلحين من تختلس ، وتسوق إلى الواجهة الإعلامية من تسوق ، وتخفي من تخفي ، حتى أصبح عامة الناس في حيرة من الأمر ، لا يعرفون من يتبعون ، ولا يدرون بمن يثقون ، خاصة حينما يكون الأمر متعلقاً بأسماء (ذات مكانة) في نفوسهم ، رسموا لها في أذهانهم صوراً ذهنية راسخة لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة أبداً. كثيراً ما أسمع من الشباب من يقول: إني أنظر إلى (فلان) على شاشة إحدى الفضائيات ، وهو يشرِّق في حديثه ويغرِّب ، ويرفع من صوته ويخفض ، ثم أتذكر هيئته على منبر مسجد يلقي خطبة أو موعظة ، وهيئته في قاعة محاضرة في الجامعة ، فأصاب بما يشبه الدوار لما أرى من الفجوات الكبيرة بين شخصيات مختلفة لشخص واحد ، ظل يرسم لنفسه في ذهني صورة معينة على مدى سنوات طوال. نحن في عصر ، اضطربت فيه الموازين عند كثير من العلماء والمفكرين ، فتنوعت الرسائل الموجهة إلى الناس فيه تنوع تناقض وتضاد ، وليس تنوع تكامل يثري الروح ، ويخاطب العقل والقلب. في هذا الإطار نشير إلى ما يدور الآن من حوار -تصادمي- حول تمثيل الصحابة رضي الله عنهم ، فهنالك من حرم تمثيل الصحابة في أفلام أو مسرحيات ، احتراماً لمقام الصحابة الذين تشكلت لهم صورا ذهنية في عقول أبناء الأمة و بناتها من خلال سيرتهم العطرة ، ومواقفهم الجليلة في صناعة الأمة والإسلامية القوية بدينها واتباعها الحقيقي لمنهج الله الحق ، ومنعاً لتشويش هذه الصورة الراسخة ، لأن تشويش الصورة الذهنية من أسباب حدوث الاضطراب النفسي ، والازدواجية التي تحدث أثراً سلبياً في النفوس كما يؤكد ذلك علماء النفس. وقد أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية بمنع تمثيل الصحابة لما في ذلك من انتقاص لمقامهم ، حينما تصبح أسماؤهم وشخصياتهم مرتبطة بشخصية الممثل الذي يقوم بالدور ، وقد تكون شخصية ذات ثقافة مناقضة لما كان عليه الصحابة ، وذات سلوك في حياتها الاجتماعية لا يمت إلى سلوك الصحابة بصلة. وهي فتوى قائمة على حيثيات صحيحة ، لا ينقضها قول من يقول بإباحة تمثيل الصحابة وجوازه ، بحجة عدم وجود دليل شرعي يحرم التمثيل ، لأن في هذا القول خلطاً بيناً ، فليس الحديث هنا عن (التمثيل) في حد ذاته ، وإنما الحديث هنا عن تمثيل شخصيات أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، في أفلام لها ما لها وعليها ما عليها. لماذا لا يكون للأمة مواقف محددة ، واضحة في مثل هذه المسألة تضع الأمور في نطاقها الصحيح ، وتبتعد بها عن الاجتهادات الشخصية ، حتى تجتمع عليها كلمة العلماء ، وولاة الأمر ، مهما كان اختلاف الآراء فيما بينهم ، لتسلم الأجيال من الاضطراب والازدواجية القاتلة. نقول لمن أباح تمثيل الصحابة: دعوا عنكم صحابتنا الكراما=فكل في مراتبه تسامى