المواطن بدأ يتعود على تجرع مرارة معاناة الأزمات ، بل البعض وصل به الحال إلى أن يجعلها وجبة يومية يقتاتها ويعيش عليها ، فيتوقع بين الحين والآخر ظهور أزمة تضاف لسابقاتها ، ولم يعد يهتم بالبحث في كيفية الخروج منها بقدر البحث عن كيفية التعامل معها كواقع ، الضربات القاسية والمتتابعة التي عاصرها المواطن ويعاصرها تبدو وكأنها على تنسيق مسبق وموعد وتنظيم وتخطيط محدد ، وزمن معين ، فلا يكاد يفيق من ضربة موجعة حتى تأتيه الأخرى أشد ألماً وأكثر رعباً وأكبر نتيجة وأثراً . كانت أزمة القبول في الجامعة تسيطر على أذهان كثير من المواطنين وتشغلهم وتقض مضاجعهم لأنها تتعلق بمستقبل الأبناء ، عماد المستقبل وزهرة الحياة وزينتها ، وكل أب يهمه مستقبل ابنه ، وابتلع المواطنون الأزمة وتعايشوا معها فعاش أغلب الأبناء وهم يحملون شهادة الثانوية كذكرى دراسية استغرقت أثني عشر عاماً من عمره ، وكفكف كل شاب دموعه وبلع حسرته لعدم حصوله على مقعد في الجامعة ، وبدأ يبحث عن وظيفة فنشأت أزمة البطالة ففتحت ذراعيها لتضعه ضحية من ضحاياها ، وكان المسؤولون في وزارة العمل كرماء مع أزمة البطالة فرعوها حق الرعاية وأعلنوا للملأ أن الشهادة الثانوية لا تصلح كمؤهل للوظيفة ، وقبل أن يفيق شباب الثانوية من هذه الصدمة وجدوا أن من يحمل الشهادة الجامعية يقفون – معهم - في طوابير طلباً للوظيفة ولم يجدوا باباً يلجون منه ، فاقتنع المفضل بحاله حينما رأى حال الفاضل . أزمة ضعف الرواتب وقلة الدخول لازمت المواطنين في القطاعين العام والخاص ، وهذه الضربة تعامل معها المواطنون بنفس طويل فسببت لكثير منهم حالة من الاكتئاب ، وبعد أن تفاعلوا وتعايشوا معها وشدوا الأحزمة حتى لم تعد الأحزمة تجد بطوناً تلتف حولها . ولم تكن أزمة الأسهم والمساهمات الوهمية والعقارية إلا ضربة كبيرة في رأس المواطن جعلته يتجرع حزن الماضي ومرارة المستقبل الذي يعيش فيه ليسدد ديون الماضي . وقال العارفون ببواطن الأمور كان على كل مواطن أن يعرف أصول اللعبة قبل أن يدخل فيها ، وإلا فعليه أن يتحمل تبعة ذلك. وتسارعت الضربات القاسية في صميم غذائه ، فنشأت أزمة الرز حتى أضحى الرز وكأنه كافيار لا يأكله إلا الكبار ، على بقية المواطنين أن يبحثوا عن البدائل الرخيصة ، فلم يجدوها لأن الخبز طارت به الطيور وتعدى الحدود ، ولم يكن الأطفال بأحسن حال من الكبار بل كانوا يعانون من غلاء الحليب ، رغم أنه كان متواجداً في المخازن قبل الغلاء ولكنها الأزمات التي تصر على ملاحقة المواطن . وأصبحت المواد الغذائية لا فرق بين كثير منها وبين الدواء في السعر إلا أن تلك تصرف بوصفة طبية والأخرى تصرف بناءً على أصوات زغب الحواصل في كل منزل. وأبت المواد الأخرى ألا أن تسير في ركب الأزمات وتمارس الضرب بقوة على رأس المواطن ، فكان الحديد يتصاعد في سعره وكأنه ترياق وليس حديداً ، وتعطلت كثير من المشاريع وارتفعت الأصوات بالشكوى والمعاناة ، ولم يكن هناك أذن صاغية ، فليس أحد أحسن من أحد . والتاجر الشاطر من يستغل الحاضر ، ولا يدع الفرصة تغادر ، قبل استغلالها. شح المياه في كثير من المدن وشكوى طوابير الوايتات أصبحت أمراً واقعاً والمواطن يعيش على مواعيد عرقوب في إنهاء هذه الأزمة . مشاكل الصرف الصحي وما تخلفه من أضرار بيئية ومالية على المواطن هي حديث المجالس . وأضرار السيول أصبحت هاجساً مخيفاً، وكابوساً مزعجاً كلما رأى المواطن تراكم السحاب ورذاذ المطر ، ازدحام الشوارع وصعوبة الحركة المرورية فمسلسل الأزمات لازال طويلاً فمن ينقذ المواطن من هذه الأزمات بعد أن أضحى كل مسؤول في هذه الجهات يتبرأ من مسؤوليته ويرميها على جهة أخرى. اللهم هيئ لمواطني هذا البلد سبل الخير والرزق الحلال وأحفظ لهم دينهم وأمنهم في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين.