الأزمة الاقتصادية التي عصفت باليونان وما لحق بخسائر للاقتصاد العالمي، هي ليست الا دروساً مجانية للدول التي تعاني من ازدياد الدين العام مع تباطؤ حركة النمو الاقتصادي لديها. وتجربة اليونان الاقتصادية، يمكن أخذها على انها قد تتحقق في أي دولة أخرى تواجه الظروف نفسها، وليس بالضرورة أن تكون دولاً أوروبية، فهناك دول افريقية وعربية وآسيوية يمكن ان يحدث لها مثلما حدث لليونان. وبحسب قراءة الاحداث ونشرات المال العالمية، نجد ان البرتغال وايرلندا واسبانيا مرشحة لأن تكون على لائحة الإفلاس بعد اليونان. بالتأكيد هذه الكوارث لن تمر على خير بالنسبة للافراد والعاملين، فأمام ضعف الشركات وعدم قدرتها على استيفاء حقوق العاملين، ستنعكس سلباً على حياتهم، ما يعني تضاعف الازمة فضلاً عن انها عالمية، فإن تأثيرها داخلياً ابلغ مع تدني نسبة الوظائف وزيادة العاطلين وإقرار برامج تقشف، قد لا ترضي المواطنين. لم يكد الاقتصاد العالمي يفيق من محنته بمشكلات التأمين العالمية والرهن العقاري، التي أكلت الأخضر واليابس وامتدت آثارها الى جميع دول العالم، تبعتها أزمة بعض السيارات اليابانية نتيجة الخلل الفني في كوابحها وعلى إثرها استدعت نحو مليون سيارة في العالم وبالتحديد أكبر أسواقها الولاياتالمتحدة، وخليجياً أفزعتنا دبي بديونها المستحقة للبنوك والمصارف، إلا أنها طمأنت الجميع بعد أن أعلنت إعادة هيكلة وجدولة جميع قروضها، ولكن هذه الخطوة أدت الى تسريح الكثير من الشركات لعدد كبير من العاملين لديها وتقليص العاملين. الملاحظ أن الكوارث الاقتصادية متسارعة ومترابطة ببعضها البعض متى ما سقطت واحدة لحقتها أخرى أو أحدثت صوتاً في مكان آخر من العالم، فمثلاً كارثة الرهن العقاري انعكست في كل دول العالم حتى الخليجية منها وليس صحيحاً ان دولاً سلمت من هذه الازمة، ربما تكون لديها القدرة على امتصاص الصدمة والتعامل معها، ولكن لا يمكن القول انها خرجت من دون ان تصاب بأي كدمات أو جروح. هل يمكن ان يتكرر مشهد اليونان في الوطن العربي؟ بالطبع سيخرج إلينا وزراء المال ومحافظو البنوك المركزية لتطميننا بأن النظام المالي المتبع فريد من نوعه ولا يمكن أن يخترقه أي «فيروس» للكوارث الاقتصادية، والامور لا تدعو للقلق، وكل الاستعداد لمواجهته، ولكن تكتشف أن الوضع الاقتصادي على ارض الواقع لا يزال يئن ويشكو، تكتشف البطالة، تكتشف عدم اكتمال البنية التحتية وتكتشف سوء التعليم والصحة تكتشف أعداداً مخيفة للفقراء والأميين، في مصر وحدها 12 مليون أمي لا يقرأ ولا يكتب، وفي السودان بلغت نسبة الامية بين النساء 55 في المئة من إجمالي 70 مليون أمي في الوطن العربي، وتكتشف بعد كل هذه المآسي الاقتصادية التي تعيشها اصلاً الدول العربية من غير ان تحتاج الى كوارث مستقدمة، فكيف هو حالها حينما تصلها تبعات الازمة، ومع ذلك نسمع تطمينات وتصريحات وكأن الشعوب العربية تعيش في كوكب لا تصلها الكوارث ولا تتأثر، وتستغرب مع رداءة الخدمات والاوضاع المعيشية والبطالة وارتفاع كلفة المعيشة، بأن هذه الدول لديها ارتفاع في الدين العام، إذاً السؤال أين أنفقت هذه الاموال، إذا كانت قروضاً خارجية. في دول الخليج قد يكون الامر مختلفاً من ناحية انها لا تعاني من دين خارجي أو التزامات مالية لبنوك عالمية او انطوائها تحت مظلة وقوانين صندوق النقد الدولي من فرض شروط وضرائب وإعلان برنامج تقشف في سبيل تسديد الديون الخارجية، ولكن المواطن الخليجي لم يسلم من الازمات العالمية فلحقته في العمل والمنزل، وأدت الى ارتفاع كلفة المعيشة التي زادت الى 28 في المئة، ونحن كنا نعاني من دين عام بلغ 660 بليون ريال إلا انه انخفض الى 237 بليون خلال السنوات السبع الماضية، لأنها ديون داخلية ومستحقات لشركات مقاولات، ولكن تجد أن المواطن السعودي يعيش أزمة اقتصادية خانقة تحت وطأة الديون، هذا يعني ان الازمات الاقتصادية في الوطن العربي تتشابه ولا تختلف سواء كانت دول نفط او دولاً ترضخ تحت الديون. إضافة إلى الكوارث الداخلية التي يعيشها المواطن العربي من هضم لحقوقه المشروعة إن كانت سياسية او اجتماعية، فإن الكوارث التي تأتي من الخارج وما تلحقها من تبعات هي مميتة، خصوصاً لأولئك الذين عادوا إلى بلدانهم بعد الإقامة الطويلة من الخارج، فقد أنهت الازمة أحلامهم والعودة الى بلدانهم الاصلية، بالطبع ليسوا جميعاً ولكن أولئك الذين تلقوا ضربة موجعة، فقرروا العودة ولكن المفاجأة كانت اكبر حينما وجدوا أن حال من في الداخل ليس افضل من المقبلين، حتى ان الكثير من العائدين تشجعوا للعودة الى الغربة، فضلوا الصبر على مرارة العيش من الذل والإهانة في الداخل. فقد حاصرتهم انفلونزا الخنازير والسيول والأمطار والبيوت والبطالة وسوء الخدمات، يبدو أن المواطن العربي اصبحت لديه مناعة من الكوارث فلم تعد تؤثر عليه، أو أن الحكومات لجأت الى تحقين مواطنيها بلقاحات ضد الكوارث، وهذا في رأيي أفضل حل. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]