اللؤلؤة الأولى: يقدمها لنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه على طبق من ذَهب العلم والفقه، ينقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: بَيْنا جبريل - عليه السلام - قاعدٌ عند النبيّ صلى الله عليه وسلم سمعَ نقيضاً من فوقه - صوتاً كصوت الباب إذا فُتح - فرفع رأسَه فقال: هذا بابٌ من السماء فُتِحَ اليوم، لم يُفْتَح قَطُّ إلاَّ اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا مَلَك نَزَل إلى الأرض، لم ينزل قَطُّ إلاَّ اليوم، فسلَّمَ وقال: أبشرْ بنورين أُوتيتَهما، لم يُؤْتَهُمَا نبيٌّ قبلك: فاتحةُ الكتابِ، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلاّ أُعْطِيْتَه، رواه مسلم .. صورةٌ بديعةٌ مثيرةٌ للاهتمام، قادرةٌ على جلب الانتباه، وتحريك مشاعر مَنْ يستمع إليها، وهي صورةٌ حقيقيةٌ جملةً وتفصيلاً مع أنّها أعلى من قدراتنا البشرية المحدودة، علوَّاً يجعلها في ذهنِ الإنسان البعيد عن هذه الأجواء الروحية خيالاً أو شبيهةً بالخيال. كونٌ مليء بالأعاجيب، مشحونٌ بالحركة الدائبة التي لا تتوقّف، وإنْ توقَّفَتْ مداركنا البشرية أمام تلك الأعاجيب عاجزةً عن اختراق أسرارها، إلاَّ بما يكشف الله منها لأنبيائه ورسله. صورة بيانيةٌ تُمْتِعُنا كلَّ الإمتاع، وتمنحنا هذه اللؤلؤة الثمينة من كتاب الله سبحانه وتعالى (الفاتحة وخواتيم سورة البقرة) وكفانا بها ثراءً وأجراً وفيراً. اللؤلؤة الثانية: يقدمها لنا عقبة بن عامر - رضي الله عنه، بعد أن حصل عليها صافيةً نقيَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقدمها لنا عقبة قائلاً: خَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفََّة - زاوية في مسجد رسول الله مخصَّصة للفقراء الذين لا يجدون مأوى -، فقال عليه الصلاة السلام: (أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى (بُطْحَان)، أو قال: إلى (العقيق) - وهما واديان في المدينةالمنورة - فيأتيَ منه بناقتين كَوْمَاوَيْن، في غير إثمٍ ولا قطيعة رحم؟ فقلنا: يا رسولَ الله، نحبُّ ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد، فَيَعْلَم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله، خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاث، وأربعٌ خيرٌ له من أَرْبَع، ومن أعدادِهنَّ من الإِبل). رواه مسلم. لؤلؤة بيانية نبويّةٌ تعبِّر عن نفسها جمالاً وبهاءً وقيمة غاليةً تليق بجوهرها الثَّمين، حديث يوجِّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصُّفَّة، وهم فقراء المسلمين الذين لا يستطيعون أنْ يسدُّوا حاجاتهم المهمة من طعام وشرابٍ ولباس، ليضع بين أيديهم ما هو أغلى من الدنيا بأسرها، مثيراً اهتمامهم بهذا السؤال المثير، الذي لا يكون جوابُه إلاَّ إِيجاباً. ومن الذي لا يحبُّ - لا سيما إذا كان فقيراً - أن يغدو إلى الوادي القريب صباحاً ثم يعود بناقتين كَوْماوين- سمينتين - في غير إثم ارتكبه للحصول عليها، ولا قطيعة رحم، بل ربما عاد بثلاث، بل بأربع نوق لها من الصفات ما يجعلها غالية الثَّمن. هكذا تفتح أمامنا لآلئُ الحديثِ النبوي الشريف هذه الآفاق الرَّحبة التي تسعد القلب وتثلج الصدر. إشارة : هي سُنَّةُ الهادي البشير فيا=طوبى لمن شرب الهدى وسَقَى