الصناعيون السعوديون اندفعوا للعالم الخارجي لامتلاك ليس المشاريع الصناعية بحد ذاتها فقط بل لامتلاك تقنيات التصنيع وهي الأهم غير مكتفين فقط بذلك بل متوهجون بحماس موقد وبعلوم متخصصة واسعة لتطوير التقنيات المكتسبة لتكون سعودية خالصة بعد أن كانت غربية خالصة وهذا ما أثبته الواقع، حيث بدأت السعودية فعلاً تتجه وتركز على العلوم والتقنية والأبحاث التكنولوجية المتخصصة بدعم من أعلى قيادة بالبلد الذي سخر كل ما من شأنه فتح الجامعات العلمية والتقنية المتطورة في مختلف أنحاء البلاد دون التركيز على منطقة معينة وكذلك الحال للمدن الصناعية الاقتصادية التي ستجلب وتوظف وتطور تقنيات جديدة في مفاهيم عالم التصنيع والهندسة والابتكار. وفيما كانت المملكة في السابق ليس بمقدورها الشروع في أي مشروع صناعي بتروكيماوي إلا بشريك أجنبي رغم نجاح مشروع بتروكيميا التابع لسابك بالجبيل الذي انسحبت منه شركة داو لأسباب مالية خاصة بها في بدايات التأسيس أوائل الثمانينات ولم تستكين سابك لهذا التراجع من قبل داو لتعتمد على جهودها الذاتية رغم تحديات شتى ومعوقات كبيرة، حيث كانت المملكة آنذاك حديثة العهد في صناعة البتروكيماويات وكان أمام سابك خياران إما أن تلغي المشروع أو أن يستمر بدون شريك أجنبي، فلو تم إلغاؤه لأثر على سمعة سابك آنذاك على أنها لا تستطيع المضي بمشروع دون تواجد شريك أجنبي معها ولو استمرت بدون شريك أجنبي لا صبح الحمل كبيراً، حيث لم تكن لديها الخبرة العملية والفنية. وقد تم بتوفيق من الله اختيار المضي بالمشروع بدون شريك أجنبي وسط تحد سعودي كبير بذل خلاله مؤسسو سابك الأوائل ومنهم لا يزال يخدم الشركة جهودا خارقة بهرت الصناعيين العالميين الذين كانوا يصورون تجربة سابك أشبه بالخيال وبعد تشغيل بتروكيميا تولدت الثقة العظيمة لدى جميع منسوبي سابك وشركاتها وفعلاً أتاح هذا الاتجاه الحرية الكاملة والاستقلالية لعمل أي قرار أو مشروع إضافي في شركة بتروكيميا دون أي عائق أو تأخير إلى أن أصبح اليوم مجمع بتروكيميا من أكبر المجمعات البتروكيماوية في العالم وكأول مجمع صناعي تقيمه سابك بجهودها الذاتية دون مشاركة أجنبية، حيث بدأ عملياته الإنتاجية عام 1405ه (1985م) ويضم الآن تحت سقف واحد ثلاثة مجمعات للأوليفينات يتجاوز إجمالي طاقاتها السنوية (6ر3) مليون طن من الإثيلين والبولي ستايرين والبيوتين- 1والبروبيلين والبيوتادايين والبنزين وبولي كلوريد الفينيل (PVC) وغيرها. هذه التجربة السعودية الباهرة والمثيرة يؤمل أن يستفاد منها الصناعيون السعوديون والمستثمرون المهتمون في إقامة صناعات بتروكيماوية جديدة بان لا ييأسوا من إقامة مشاريع متطورة مهما كانت ضخامتها وبدون شركاء أجانب المهم هو الإصرار الخلاق المرتكز على الإبداع والابتكار في إيجاد الحلول لمختلف التحديات وتجربة سابك تلك لم تقتصر على بتروكيميا بل شملت مجمعا حديدا الذي شيدته سابك أيضاً دون شركاء أجانب وهو أضخم مجمع للحديد والصلب في الشرق الأوسط.