دخل عبدالرحمن الى منزله قريبا من اذان العصر بعد عمل شاق,والقى بنفسه على اقرب كرسي الى المكيف,ليناله شئ من نسمات الهواءالبارد.رفع يده بصعوبة لينظر الى الساعه,ويحسب المدة الباقية على الافطار. بقيت ساعتان.. قال في نفسه.واخذيفكرفي صنوف الطعام اللذيذة التي ستعدها والدته للإفطار,فهي اطباق مميزة لايراها الا في رمضان. اخذ عبدالرحمن يُجيل بصره في صالة الجلوس ,واذا به يلمح كأس ماء على الطاولة القريبة منه. كيف لم أرى هذا الكأس؟ومن اين جاء؟ وبحركة لاشعورية مدّ يده الى الكأس ليتناوله , ثم تذكر فجأه انه صائم,فتراجع ,وعاد واسترخى على كرسيه ثانية,وهو يشعر أن عطشه الذي كان يشعر به قبل ان يرى الكأس ,قد ازداد اضعافا مضاعفة. بدأعبدالرحمن يشعر بالنعاس يداعب اجفانه,فأغمض عينيه,وعندما شعر ان النوم قد تملكه تماما,اذابه يسمع هاتفاً يهتف به. هيه انت!لماذا لا تتناولني وتروي ظمأك؟ (اخذ عبدالرحمن يتلفت بدهشه يمينا وشمالا باحثا عن مصدر الصوت,فلم يكن هناك احد غيره في الصالة.) فضن انه كان واهماً, إالا ان الصوت عاد من جديد.. انا هنا من يكلمك!الا تراني؟ انا الكأس! عقدت المفاجأة لسان عبدالرحمن وهو يحدق بفزع في الكأس,ثم تكلم بعد برهة.. كأس يتكلم ؟! ياللعجب!! فرد الكأس وما العجب في ذلك؟ إن ماتقوم به انت ,لهو اشد غرابة من كوني اتكلم معك الآن. ماذا؟واي شئ يمكن ان يكون اغرب من ان يتكلم الجماد؟ تناقضك العجيب ياعزيزي! تناقضك هو الذي دفعني للتكلم معك. تناقض؟؟ عن اي شئ تتحدث ايها الكأس؟ انا لاافهم. حسناً,دعني اشرح لك.الم تكن قبل قليل على وشك ان تشرب مني ؟ثم امتنعت لكونك صائماً؟ اجل هذا صحيح,وما المشكلة في ذلك؟ المشكلة هي انك ياصديقي ,تمتنع عن شرب الماء العذب الزلال الذي احله الله,ولكنك لا تمتنع عن الحرام الصريح الذي حرمه الله!! اليس هذا تناقضاً؟ ماذا تقصد ايها الكأس ؟لاشك ان الماء حلال حقاً, ولكنه حرام اثناء الصوم كما يعرف كل مسلم. جميل جداً!!هذا صحيح,الماء والطعام الطيب حلال للمسلم في كل وقت مالم يكن صائماً؛ ولكن تأخير الصلاة عن وقتها_مثلاً_ وتفويت صلاة الجماعة من كبائر الذنوب,وهي حرام في كل وقت سواء كنت صائماً ام لا ! وانت كثيراً ماتنام عن المكتوبة وتفوت الجماعة! والغيبة ايضاً من كبائر الذنوب, وهي حرام في كل وقت !وانت تغتاب الناس بإستمرار! والنظر الى مفاتن النساء وصورهن حرام في كل وقت,وانت تفعله! وسماع الغناء من المحرمات , وانت لا تتورع عن ذلك! اليس عدم امتثالك لأوامر الله بفعلك لكل هذه الأمور المحرمة في كل وقت , مع امتناعك عن الحلال_امتثالاًلأمره_يشكل تناقضاً صارخاً يصعب تفسيره؟؟ فإن كنت تقول ان الله امرك بعدم الأكل والشرب اثناء مدة الصوم,فهو كذلك امرك بعدم تفويت الصلاة وتأخيرها اثناء حياتك كلها! ونهاك عن الغيبة , والنظر الى الحرام, وعن سماع الغناء. وقل مثل هذا في سائر المحرمات الأخرى التي ترتكبها, فلماذا لاتلتزم بأمر الله هنا كما التزمت به هناك؟؟ ام ان الأمر بالمزاج واللعب ايها الصديق؟؟ بدت الحيرة ظاهرة على وجه عبدالرحمن الذي افحمه منطق الكأس وقوة حجته , فأراد ان يقول شيئاً يبرر التناقض في اعماله, ولما لم يجد شيئاً يحتج به قال بتلعثم. ايها الكأس الناصح,صدقني انه بودي ان اكون طائعاً لله في كل أوامره,مجتنباً كل نواهيه, ولكنني لا استطيع ! صدقني حاولت تغيير حالي الى الأفضل بترك بعض المعاصي, ولكنني فشلت وعدت اليها. هاانت ثانية تناقض نفسك بقولك (لااستطيع) , لأنك بكل بساطه تستطيع! الم تمتنع عن كثير من المحرمات طوال فترة صومك؟ هذا صحيح... اذاً فما الذي يمنعك ان تواصل بنفس الطريقة بقية عمرك؟؟ !!!!!!!!!!! الحقيقة هي انك تستطيع , ولكنك تخدع نفسك عندما تصدق حيلة ابليس التي يقنعك بها , وهي انك لا تستطيع وبالتالي تجعل من نفسك فريسة لإبليس واخوانه. ايها الكأس انني ارى في كلامك الكثير من الحكمة, ولكن هلاّ بينت لي كيف يمكنني تغيير حياتي من المعصية الى الطاعة؟ الأمر يسير ان شاء الله ,فقط تذكر ان الله يراك في كل وقت, يراك عندما تطيعه فيرضى عنك, ويراك حينما تعصيه فيغضب عليك. راقب ربك, وعندها ستجد من نفسك نشاطاً واندفاعاً نحو الطاعة , لأنك تعلم انك بعين الله. وستمتنع عن المعصية ,لأنك تعلم اطلاعة عليك وكراهته ذلك منك,وبالتالي ستخاف من ان يسخط عليك.وستجد انك كلما اخطأت واذنبت, رجعت فتبت واستغفرت,وهذا مايريده الله منك. انك اليوم صائم وان من اعظم ثمرات الصوم تحصيل تقوى الله عزوجل واذا لم تحصل هذه الثمرة فلا فائده ترجوها من صومك غير الجوع والعطش. وباختصار .اعلم ياصديقي ان الدنيا ليست سوى ساعة,فاجتهد لن تجعلها طاعة؛ الزم اهل الخير الذين يعينونك على دينك ففي ذلك نجاة لك. واترك رفقة السوء والبطالة عنك,فليس منهم الا دمار الدنيا والاخره. وتذكر يوم العرض على الله ,وانت لاتدري اتأخذ كتابك باليمين كما حال المتقين؟ام تأخذه بالشمال كحال اهل الخساره والشقاء؟ واختر طريقك من الآن , فمن كان طريقه طريق اهل الخير والصلاح كان مصيره الفوز والفلاح, ومن اختار طريقاً غير ذلك فلا يلومن الا نفسه؛فليس هناك الا نار تلضى! كان عبدالرحمن مطرقاً من التأثر بما يسمع من الكأس ,فلما توقف الكأس عن الحديث عند ذلك الحد ,رفع عبدالرحمن رأسه وقال: ايها الكأس العزيز ,لقد عزمت ان اغير طريقة حياتي منذ هذه الساعة! فجزاك الله خير الجزاء على نصيحتك الغالية, فإنني لن انساها ما حييت انشاءالله. لاشكر ياصديقي, ولكن دعني انبهك ان الوقت قد داهمنا ,واذان العصر قد حان ,فقم الآن وابدأ حياتك الجديده من المسجد! وفي هذه اللحظه .. فتح عبدالرحمن عينيه, فوجد الكأس مكانه كما كان على الطاولة ,قام من كرسيه واقترب منه,حمله بيده,واخذ يتأمله لقد كان حلماً إذن !! قال عبدالرحمن في نفسه, بينما كان المؤذن يرفع اذان العصر عذبا ندياً.. انصت عبدالرحمن له واخذ يردد خلفه, شعر ببرودة لذيذة تغمر قلبه ,هو الذي لم يصلي العصر جماعة منذ مدة,ترقرقت عيناه بالدمع ,توجه نحو المغسلة فتوضأ,ثم ذهب الى المسجد وفي طريقه الى باب المنزل لمح عبدالرحمن كأس الماء فابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول بصوت خافت: شكراً لك ايها الكأس (نشرت بواسطة صحيفة شرق الإلكترونية)