منذ أن أعلنت الصهيونية العالمية قيام دولة إسرائيل فوق تراب فلسطين الوطني ، مرتكزة على وعد ورقي مكتوب قدم من وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور للرأسمالي الصهيوني المتنفذ ليونيل وولتر دي روتشلد شتاء 1917م أحد الدائنين الكبار لميزانية حرب بريطانيا آنذاك ، على قاعدة لا تتوافق مع الحق والقانون والمنطق ( فلسطين دون شعب ، لليهود دون أرض ) مع ملاحظة أن هذا الوعد قد جاء بعد نجاح التغلغل الصهيوني إلى فلسطين وتمكنه من إقامة مجموعة من المستوطنات المبعثرة فيها ، وترجمة للتعهدات السرية السابقة التي أعطيت لليهود وللقوى الصهيونية مقابل وقوفها إلى جانب بريطانيا والحلفاء بالحرب العالمية الإولى وفي المستقبل والذي أباح ليهود العالم القدوم والإستيطان في فلسطين دون الإستناد على أية حقوق شرعية أو قانونية ، ومن ثم ارتكازها على القرار الأممي رقم 181لسنة 1948م والمعروف بقرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود ، وهو القرار بذاته مع عدم شرعيته الذي يفند وعد بلفور والإساس الذي أعطي وقام على إساسه ، حيث الإعتراف الأممي الضمني أنّ الشعب الفلسطيني هو الإصيل الموجود والذي له الحق بأرضه ووطنه ، في حين أنّ الوعد كان ادعى بأن فلسطين هي أرض بلا شعب ، وأنّ الطرف الدخيل الذي لا أرض بالإساس له هم اليهود والصهاينة القادمين إلى فلسطين من إثنيان وأصقاع مختلفة ، وأعطوا جزءا من الأرض بتداخلات وإرهاصات ومؤامرات وضغوطات دولية ويهودية كبيرة وكثيرة ومتشعبة ، فمنذ إعلان قياد دولة إسرائيل وهي تعتمد على البعد الأمني بالتعامل مع حيثيات القضية الفلسطينية ومساراتها ومراحل تطورها ، وحتى خلال فترات انكماشها . ومنذ انسحاب القوات البريطانية من القسم الفلسطيني الذي أعطي لليهود بموجب قرار التقسيم المذكور ليقيموا عليها دولتهم الهلامية ، مارست العصابات الصهيونية شبه العسكرية ومليشياتهم الإرهابية سلسلة من المجازر ضد الوجود والتواجد الفلسطيني في عموم فلسطين بهدف دفع شعبنا الفلسطيني للنزوح للداخل أو للهجرة إلى خارج فلسطين ، وهو ما حققته سلسلة المجازر الصهيونية والتي كان من أفظعها وأخطرها مجزرة دير ياسين التي وقعت فصولها وأحداثها المأساوية ضد الإنسانية الفلسطينية يوم 9 / 4 / 1948م . وحتى بعد توقيع إتفاقيات الهدنة ودخول النكبة الفلسطينية مرحلة الأمر الواقع داخل فلسطين وخارجها ، قامت إسرائيل بسلسلة من المجازر ضد الوجود والتواجد الفلسطيني بهدف الإنتقال للمرحلة الثانية من دفعه لمغادرة وترك وطنه وأرضه ، كان من أخطرها مذبحة السموع بالقرب من الخليل والتي حدثت أحداثها وفصولها يوم 13 / 11 / 1966م وألحقت دمارا واسعا بالقرية ومبانيها وأسفرت عن جرح واستشهاد أكثر من 150 مدنيا فلسطينيا بينهم مجموعة من الجنود الأردنيين المدافعين عن القرية ، بحجة الإنتقام من منفذي إحدى العمليات الفدائية ، حيث كانت هذه المجزرة مقدمة وتجربة لحرب حزيران 1967م ذات الأهداف الأمنية والإستراتيجية ، والتي كان من بين أهدافها إحتلال إسرائيل لكامل التراب الفلسطيني بما فيها القدس ، ومحاولة إجهاض حركة التحرر الوطني الفلسطيني . وحتى بعد تمكن دولة إسرائيل من احتلال كل فلسطين إستمرت تعتمد على العنصر والبعد الأمني في صراعها مع شعبنا الفلسطيني وثورته وقيادته ، هاربة للأمام من مسؤولياتها الدولية التي أحدثه قيامها واحتلاها لكل فلسطين ، وقيامها أولا بتهجير طائفة من شعب فلسطين إلى داخل فلسطين وخارجها ، ثم قيامها مجددا بطرد طائفة أخرى من أبناء شعبنا إلى خارجها ، فقد قامت بعدة محاولات مسمومة ومسعورة كانت كلها تهدف للخروج من المعادلة الفلسطينية ولطمس وإنهاء القضية ، تمثلت بسلسلة من الهجومات ضد الوجود والتواجد الفلسطيني في أرض الشتات ، كان من أخطرها الإجتياح الإسرائيلي للبنان 82 ، وما نتج عنه من ظروف مأساوية وواقع حال جديد دفع بالقيادة الفلسطينية للتفكير جديا بكيفية إدخال الصمود والمد والمواجهة الجماهيرية مع الإحتلال حيّز التنفيذ ، حيث نجاحها بإشعال الإنتفاضة الفلسطينية الجماهيرية الإولى نهاية العام 1987م ، والتي كانت اقتربت من تحقيق أهدافها بالحرية وتقرير المصير ومن النصر على دولة إسرائيل ، لولا الظروف الدولية والإرهاصات والخلافات العربية التي صاحبتها نتيجة حرب الخليج الثانية 1991م ، وذيول وآثار الأولى ، وانطلاق قطار السلام بالشرق الأوسط بعد خروج العراق من المعادلة الدولية والإقليمية ، وما أحدثه ذلك من صراعات وخلافات فلسطينية داخلية نتيجة الصراعات على البرامج والأساليب ، وما تبعها من تبعات جسيمة وأضرار ألحقتها أحداث سبتمبر 2001م بالموقف العربي والعالمي وارتداده على القضية الفلسطينية ، التي كان المستفيد الوحيد من أحداثها إسرائيل والخاسر الوحيد بسببها الطرف الفلسطيني الذي وصم ووصف نضاله وصموده وتصديه بعدها بالإرهابي . وحتى بعد انطلاق مسيرة السلام وتوقفها أخيرا بسبب العقلية الأمنية الإسرائيلية الخائفة من كل شيء ، وإفرازاتها الإرهابية المعادية لكل شيء ، ورغبتها الجامحة بالإستيطان في كل مكان ، وللمحافظة على الإئتلاف اليميني الحاكم المعادي لتطلعات شعبنا بالحرية والدولة وتقرير المصير ، فقد كان الهاجس الأمني دائما وما زال هو من يحرك الفعل الإسرائيلي وردّاته ، وهو ما ساهم أخيرا بخسارتها لكثير من الدول الداعمة لها ، وشكل نقلة نوعية كبيرة في مواقف الكثير من الدول التي تفهمت رغبة شعبنا بتحقيق السلام من منطلقات حبه للأمن والأمان وللحياة الحرة الكريمة ، ولاحترامه للمواثيق والعهود الدولية ولمواقف ورغبات كافة دول وشعوب العالم الداعمة لشعبنا وقضيته ، مما ساهم باصطفاف أكثريتها إلى جانب شعبنا وقضيته العادلة ، والذي تحقق بفضل صبره ونضاله وقوته وإيمانه بحقه ، وبفضل وعي وحكمة القيادة الفلسطينية المصرّة والمتمسكة بكافة الحقوق والثوابت الفلسطينية . ولمجابهة البعد الأمني الإسرائيلي بالتعامل مع القضية والشعب الفلسطيني ، والذي من آخر حلقاته الفعل الإجرامي الإسرائيلي المتمثل بحصار وتجويع شعبنا في غزة ، وقيام إسرائيل باجتياحات شبه يومية لإراضي الضفة الغربية واعتقالها لإبناء شعبنا فيها ، ومحاولات تهديد وتدمير الأقصى وتهويد القدس ومقدساتها ، وممارساتها العدائية ضد القيادة الفلسطينية الشرعية وكافة القوى الوطنية الفلسطينية وضد شخص الرئيس ، أبطالها الجيش والموساد والخارجية والإعلام الإسرائيلي المفبرك للكثير من الأخبار الملفقة بهدف تشويه مواقف ووطنية القيادة الفلسطينية ، ولتكبير الصدع في العلاقة الفلسطينية الداخلية خاصة بعد يقينها من رغبة قيادتنا بتحقيق المصالحة الفلسطينية . فلمواجهة التحدي والاستيطان والبعد الأمني الإسرائيلي ولتحقيق الإنتصار لا بد من ترسيخ الوحدة الوطنية ، من خلال تحقيق المصالحة التي يسعى صادقا فخامة الرئيس ( ابو مازن ) لتحقيقها ، ويطالب جميع العرب وأحرار العالم بها ، وضرورة تشابك والتقاء جناحي الوطن لمواجهة التحديات والاعتداءات والتجاوزات الإسرائيلية ، ومد الكف للكف لتقوية الجدار الفلسطيني وتمتينه لمواجهة العقلية الأمنية الإرهابية الإسرائيلية وممارساتها العنصرية ضد شعبنا وقيادته وقضيته . وفيما يتعلق بملف المفاوضات الذي يدار بفن وبمصداقية وبشفافية من طرف قيادتنا المتمسكة بكافة الحقوق والثوابت ، والتي من بينها وأهمها حق العودة والتعويَض والقدس عاصمة لدولة فلسطين ، ومسائل الأمن والحدود والمياه وجغرافية فلسطين التي لا تقبل القسمة ولا التفتيت ولا الإستيطان ، فالأمل يحدونا أن تكلل مهمة السفير ميتشل بالنجاح وخاصة في ملفي الأمن والحدود المطروحين للنقاش في هذه الأثناء وبما يتناسب ويتوافق مع المصلحة الوطنية العليا لشعبنا بالإستناد على القرارات الدولية ذات الصلة ليتم بعدها الإنتقال لباقي الملفات ، وأملنا بشعبنا الفلسطيني المؤمن بعدالة وقدسية قضيته ومن كافة شعوبنا العربية والإسلامية التأكد تماما من ثبات ورسوخ الموقف الفلسطيني ووضوحه وعلنيته ، خاصة مع إصرار قيادتنا على التنسيق والتشاور مع كافة الإشقاء العرب ، وعلى رأسهم الأردن العظيم الذي يقدم كل الدعم والمشورة من أجل فلسطين حرة عربية مستقلة فوق تراب فلسطين الوطني وعاصمتها القدس ، ودعم ومؤزرة قيادتنا وصراعها مع الإحتلال البغيض وقيادته العنصرية ، خاصة مع هذه القيادة اليمينية المتطرفة التي لن يثنيها عن مواقفها العدائية وقطع حبل الناس عنها ويسرّع بالإنتصار عليها إلا جدار الصمود والتصدي والتحدي الفلسطيني الواحد المتين . السفير الفلسطيني في عمان - عطا الله خيري