لا يختلف اثنان على دور الاستعمار الانجليزى فى الاغتصاب الصهيونى لفلسطين .. لكن الكثيرين يقفون بهذا الدور عند القرن العشرين , وخاصة منذ وعد " بلفور" ( 1848-1930م) وزير الخارجية الانجليزى للحركة الصهيونية – ممثلة فى المليونير الصهيونى " لورد تشيلر " ( 1845-1934م) بمنح اليهود الحق فى اقامة وطن قومى لهم فى فلسطين – فى 2 نوفمبر 1917 م- ودور الانتداب البريطانى فى فلسطين فى تنفيذ هذا الوعد , الأمر الذى زاد من الوجود والنفوذ الصهيونى فى فلسطين العربية .. وأفضى إلى قرار التقسيم سنة 1947 وقيام الكيان الصهيونى كدولة سنة 1948م.. عن هذا التاريخ وهذه الحدود يقف الكثيرون بالدور الانجليزى فى اغتصاب فلسطين .. أى يقفون عند الدور السياسى الحديث " ويغفلون دور البعد الدينى البروستانتى دور المسيحية الصهيونية فى التأسيس لهذا الدور السياسى الحديث .. الأمر الذى يستدعى التثنية على جذور ومسار الدور الانجليزى فى هذا الا غتصاب ذلك الذى تأسس على أساطير المسيحية الصهيونية ثم اجتذب " الدينى" السياسى فى هذا الطريق ! . فمنذ سنة 1649 م – أى قبل ثلاثة قرون من قيام اسرائيل – وقبل نشأة الحركة الصهيونية الحديثة بزعامة " هرتزل ( 1860-1904م) وجه اثنان من علماء اللاهوت الانجليزى هما " جوانار" و " البنز ركار ترايت " نداء إلى الحكومة الانجليزية لاقامة الشراكة مع اليهود لاغتصاب القدسوفلسطين مطالبين بأن يكون للبروستانت الانجليز شرف نقل اليهود إلى الأرض التى وعد الله بها أجدادهم ومنحهم اياها ارثا ابديا"! وبعد سنوات قليلة من هذا النداء اللاهوتى قرر " كروميل ( 1599-1658م) فى سنة 1655 الغاء قانون النفى لليهود الذى كان قد أصدره الملك ادوارد فبدأت عودتهم إلى انجلترا ثانية تمهيداً لاعادتهم فى ركاب الاستعمار الانجليزى إلى فلسطين!. وفى سنة 1839 أى بعد عام من احتلال انجلترا لعدن – سعى المليونير اليهودى الانجليزى حايم الونتفيور إلى محمد على باشا( 1184-1265ه) 1770-1849م) حاكم مصر الذى كان قد وحد الشام وفلسطين مع مصر كى يفتح له الباب إلى زراعة اليهود لأرض فلسطين فطلب استئجار عدد من القرى الفلسطينية لزراعتها كمستوطنات يهودية .. لكن محمد على رفض هذا الطلب اليهودى الانجليزى .. وفى نفس العام الذى احتلت فيه انجلترا عدن وبدأت السعى لزرع اليهود فى فلسطين كى تواجه النفوذ المصرى – أنشت انجلترا 1838 م أول قنصلية لها فى القدس وعينت قسيسا بروستانتيا نائباً لقنصلها فيها !. وفى سنة 1839 م نشر اللورد الانجليزى شافتسبرى ( 1801-1885م) دراسته التى يقول فيها ان اليهود الامل فى تجديد المسيحية وعودة المسيح ثانية ليحكم العالم الف سنة سعيدة وفى نفس العام ارسل سكرتير البحرية الانجليزية إلى وزير خارجيته بالمرستون ( 1784-1865م) رسالة يقترح فيها دعوة اوربا للاقتداء بالملك الفارسى قورس ( 557-528م) فى اعادة اليهود إلى فلسطين ولقد استجاب بالمرستون لهذا الطلب اللاهوتى فأرسل سفيره فى الاستانة 1840 م يطلب منه اقناع السلطان العثمانى باعادة اليهود إلى فلسطين كى يكون وجودهم فيها حاجزاً ضد طموحات محمد على باشا وخلفائه فى التمدد بالمشرق العربى! .. وفى نفس العام فلسطين كى عقد بلندن مؤتمر لتوطين اليهود بفلسطين تحت شعار أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وبعد أربع سنوات فى 1844 الف البرلمان الانجليزى لجنة مهمتها اعادة أمة اليهود إلى فلسطين!. وفى العام التالى 1845 م نشر بانجلترا مشروع اقامة دولة يهودية فى فلسطين تحت الحماية الانجليزية المؤقتة".. وهو المشروع الذى حققه الانتداب البريطانى على أرض فلسطين بعد ذلك التاريخ بقرن من الزمان!.. فهل جذور الصراع التاريخى وأبعاده الدينية الامبريالية – بدلا من السطحية والاختزال؟!؟.