أوقف توزيع الأراضي والمخططات الزراعية ، ومنعت زراعة بعض المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل البرسيم ، ولما امتعض وتذمر المزارعون جاءت المناداة لهم كي يستثمروا بالسودان الشقيق ، يعني علينا (المزارعين) أن ننتقل بعدتنا وعتادنا ومعداتنا الزراعية ، وقد يكون أهلنا أيضا لنستقر بجوار إخواننا السودانيين ، كل ذلك بحجة أن مخزون أرضنا من المياه قليل ، وأن منسوب المياه عندنا الجوفية بدأ يهبط إلى مستويات مخيفة . أنا لست خبيرا جيولوجيا ولا زراعيا ، ولكن ثقافتي ومتابعتي المستمرة لما يذاع وينشر بين حين وآخر تلح علي بسؤال مهم وهو : أين هذه المناداة من التخفيف من الزراعة ، والتخويف من شح المياه لم تظهر ولم نسمع عنها خلال الثلاثة العقود الماضية من السنين ، عندما كانت الأراضي والمخططات الزراعية بمئات وآلآف الهكتارات الزراعية للشخص الواحد حتى أن جيلنا ومن بعدنا ظلم بهذه القسمة ، فنحن الآن لانستطيع الحصول على دنم زراعي واحد ، ولو بالشراء ، وعلى بعد مئات الكيلو مترات من المدن والتجمعات السكنية!. وماهي الدراسات التي استند عليها التوزيع في تلك العقود ؟ ومن المسؤول عن ذلك ؟ أم أنها وزعت عشوائيا وكيفما اتفق دون نظر واستقراء للمستقبل وأجياله ؟! ثانيا : يدعوننا ويوجهوننا ويطلبون منا (مسؤولو الزراعة عندنا) الاستثمار الزراعي في السودان نظرا لما حباه الله سبحانه وأعطاه من أراض شاسعة صالحة للزراعة ، إضافة إلى وفرة وغزارة في المياه ، سواء النهرية ، أو السطحية ، أو الجوفية ، وهذا يقودنا لسؤالين : هل سيجد المستثمر السعودي في السودان نظاما اقتصاديا قويا يحميه ، ويكون ذلك تحت غطاء ، أو اتفاق دولي يحمي له حقوقه حتى وإن تغيرت خارطة البلد السياسية ؟ هل السودان مستقر أمنيا ، وسياسيا ، واقتصاديا حتى نستثمر به ؟ فمعروف أن السودان أمنه الله وحماه منطقة اضطراب أمني وسياسي في الشرق الأفريقي ، ولاتملك الحكومة السودانية القوة الأمنية والسياسية والاقتصادية على مساحات كبيرة منه خصوصا المناطق الغربية والجنوبية منه ، إضافة إلى أنه بلد مضطرب سياسيا ، وبوادر الانقلاب السياسي لبعض أجزائه تلوح بالأفق بين فينة وأخرى ، فإذا حدث لاسمح الله شيء مما ذكرت ، فما هو مصير المستثمر السعودي ؟ وماذا سيجني من استثماره هناك ؟ أترك الإجابة لكم ، وأنتقل للنقطة الثالثة هذا الموضوع وهي : ينشر بين حين وآخر دراسات علمية تثبت حسب زعمها أن صحارينا ومناطقنا تنام فوق بحيرات هائلة من المياه الجوفية العذبة خصوصا صحارينا الثلاث ( النفود والدهناء والربع الخالي ) ، فإذا صحت هذه الدراسات فماذا ننتظر ؟ ولماذا نتأخر ؟ لماذا لانسارع باستخراج هذه المياه ، وجلبها للمواطن والمزارع ؟ خصوصا أن هناك مدن في الوطن تعاني الأمرين من نقص المياه خصوصا في فصل الصيف ، وإذا كان عذر البعض أن استخراج هذه المياه سيكون مرهقا ، ومكلفا ماديا ، فأقول لهم : أولا : ميزانية وزارة الزراعة ووزارة المياه تفيض كل منهما بآلاف المليارات من الريالات سنويا ، وأجزم بأن استخراج المياه ومد أنابيبها لن يرهقها . ثانيا : مهما بلغت تكاليف هذه العمليات (استخراج المياه ومد أنابيبها من صحارينا) إلا أنه أرحم ، وآمن لنا من استثمارنا بالخارج سواء بالسودان أو غيره وإن ارتفعت تكلفه المياه بهذه الطريقة ، فالفرق الذي سندفعه لذلك سيكون أقل من الفرق الذي سندفعه قيمة ضرائب جمركية على منتجاتنا الزراعية المستوردة من الخارج