يؤكد عضو مجلس الشورى والكاتب السعودي حمد بن عبد الله القاضي أن العلاقة بين السعودية ومصر أكبر من أن تؤثر فيها أحجار طائشة أو أقلام مأجورة، راسماً بقلمه صورة صادقة لحب الشعب السعودي لمصر، وحب المصريين لأرض الحرمين، مطالباً المسؤولين في مصر، المجلس العسكري والحكومة والبرلمان، بالسيطرة على القلة التي تسيء للعلاقة بين الدولتين. وفي مقاله "يا مصر: الدم لا يصير ماء!" بصحيفة "الجزيرة" يكشف القاضي عن حيرته مما يحدث ويقول: "من المواقف التي احتار فيها قلمي و (حرن) عندما أردت أن أكتب ما حصل بين بلاد الحرمين وأرض الكنانة.. لقد تساءلت بشجن.. كيف تسارعت الأحداث.. كيف استطاع أفراد محدودون سواء بالشارع أو بالإعلام.. كيف استطاعوا بغوغائيتهم أن يؤثروا على هذه العلاقة المتينة وهم لا يشكلون شيئاً أو حجماً في عداد أكثر من 86 مليون مواطن مصري، عرفنا سابقاً وأدركنا حالياً بعد هذه الأزمة العابرة بإذن الله مدى حبهم لبلادنا وانزعاجهم ربما أكثر منا بسبب ما حصل من (أعمال همجية) على سفارة بلاد الحرمين، ولقد رأينا رد فعلهم على تلك (الأقلام والأصوات المأفونة) عبر وسائل الإعلام التي لا تريد لمصر ولا لبلاد الحرمين ولا لشعبيهما الخير والسلام.. ولكن بحول الله ما بين مكة الحرم ومصر الأزهر أكبر من أن تؤثر فيه أحجار طائشة أو أقلام مأجورة.. وما بين الشعبين من صلات وعلاقات وتاريخ ورحم وقبلها دين أعظم من أن تمسه أو تؤثر عليه أو فيه فئة (شوارعية) حركها الصوت النشاز في بعض وسائل الإعلام المصرية!".
ثم يرسم القاضي بشاعرية صورة علاقته بمصر ويقول: "أستعيد سطوراً سبق أن كتبتها إثر (أزمة عارضة) مرت على علاقة بلادنا بمصر ولكنها زالت وعادت العلاقات أقوى مما كانت. (مصر حبة القلب.. بؤبؤ العين.. وفلذة الكبد.. مصر الحب والحسين.. والأزهر وخان الخليلي.. مصر الفكر والعروبة.. مصر عمرو بن العاص.. وصلاح الدين..! مصر بكل هذه المعاني المضيئة.. والوشائج الأصيلة.. هل نستطيع أن ننساها أو تنسانا أو نسلو عنها أو تسلو عنا.. إنها شرايين راسية في قلوبنا كأهراماتها.. متدفقة الهوى في وجداننا كجداول نيلها.
ويضيف القاضي: "نحن لا نستطيع -كأمة عربية- أن ننفصل عنها.. وهي -كقلب نابض- لا تستطيع حتى محاولة الانفصام عنا.. وهل يصير الدم ماء.. وهل يستطيع توهج الحب أن يصبح بقايا رماد؟ جسر عميق من الوفاء.. ذلك الجسر الذي تمتد على حوافه حبات قلوبنا لتعانق تضحيات مصر.. وبساطة العم (مدبولي) وهو ينغم مواله الصعيدي في أحد أحياء القاهرة. لقد كانت (مصر) على مدى تاريخها وفية معنا.. ونحن أوفياء معها، مصر نحبها ليس لظلها الظليل.. ونيلها مروي الغليل.. ولكن نحبها لتلك الوشائج الدينية والتاريخية والمصيرية التي تربط بيننا. هذه (مصر) أهرامات من العطاء.. وفيض من الوجد.. وحقول المحبة لا يمكن أن تصبح حرائق من الكراهية.. تماماً مثلما لا تستطيع منائر النور أن تتحول إلى خرائب من الظلام".
يا مصر... إنني عربي أقف على غصن أخصر وأغني على مزمار وفائي.. مع شاعرك وشاعري العربي.. عانقت فيك النخيل السمح دانية قطوفه.. وحصرت الأملد الخضلا وعاشق في حواشي النيل ذو وله يهدي إليك الهوى والشوق والقبلا
كم أنت كبيرة يا مصر ولن تصغري بسبب (شرذمة) محدودة أساءت لك ولأبنائك مثلما أساءت لنا.. أنت أكبر منها. لك منا يا مصر واجب الصفح.. وعليك لنا حق الوفاء.. ثم يحدد القاضي جوهر المشكلة فيما حدث، ويقول: "إن الإشكالية الكبرى الآن هي -مع الأسف- في ضبط الشارع فرداً وإعلاماً، فلا المجلس العسكري ولا الحكومة ولا البرلمان حتى الآن قادرون على ضبط الشارع بعد الثورة.. إن المشكلة -بتعبير أدق- أن القيادة بمصر سواء مجلساً عسكرياً أو حكومة أو برلماناً أصبحت تخاف من (الشارع) وتكاد لغته هي التي توجه وتتحكم في أعمالها وعلاقاتها!"، ويمضي الكاتب مستغرباً: "من يصدق أن إعلامياً مصرياً معروفاً (محمود سعد) يعترض ويحتج على اعتذار حكومته عما حصل بالسفارة السعودية؟".
ويؤكد القاضي أن "مصر وشعبها -بغض النظر عما حصل من أزمة عابرة- بحاجة إلى تحكيم العقل والعمل على مستقبل مصر وأبنائها وأجيالها.. إنها بحاجة وبحزم لإيقاف (الغوغائية) في الشارع.. إن على القيادة المصرية: العسكرية والحكومية والبرلمانية أن تقف بقوة أمام هذه (الغوغائية) بشقيها الشوارعي والإعلامي، وإلا فإن المتضرر هم شعب مصر ذو الستة والثمانين مليون مواطن فهؤلاء (المنفلتون) كما كشفت الأحداث التي توالت بعد الثورة، هم سبب هذه الفوضى والعبث والإساءة لشعب مصر قبل غيرهم".
وينهي القاضي مؤكداً: "أقول لقيادة مصر الشقيقة اليوم وغداً: لا تجعلوا (فئة محدودة) تلعب بالنار.. لكيلا تحرق مصر الغالية قبل غيرها.. بل لابد من الحزم، إن الحرية سواء بشوارع المدن أو شوارع الإعلام إذا لم تكن منضبطة وتقف عند حدود الإضرار ببلدها وشعبها فإنها تصبح فوضى تجعل مصير (مصر) في كف المجهول".