تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وسط ظروف دقيقة يمر بها العالم ويتطلع إلى خروج الشريكين البارزين باتفاقات سياسية واقتصادية تعود بالنفع على العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. وتمثل المملكة ثقل استراتيجيا هاما في الشرق الأوسط، وتعد إحدى الدول التي تقود المنطقة سياسيا بفعل مكانتها الكبيرة التي اكتسبتها إثر سنوات طوال من العمل المتواصل والمدعم بثقلها الديني واقتصادها الضخم.
واعتمدت سياساتها الخارجية منذ البدايات على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية، تاريخية، دينية، اقتصادية، أمنية، سياسية، وضمن أطر رئيسة؛ أهمها: حسن الجوار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، وتأدية دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية.
ثقل المملكة
يرى الدكتور إبراهيم النحاس رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود أن المملكة استطاعت أن تكون حجر زاوية في السياسة الدولية المعتدلة والهادئة في اتخاذ القرارات السياسية وفي نفس الوقت قدرة كبيرة على التأثير في مجريات الأحداث الدولية. فالرياض تتميز بالاعتدال في ممارساتها السياسية الدولية وذلك على الرغم من الاستفزازات المتعددة والمحاولات المتكررة التي تحاول أن تأخذ الرياض باتجاه سياسات وقرارات متسرعة.
وواصل: "هذه السياسة السعودية المعتدلة مكنتها من اتخاذ قرارات سياسية هادفة وناجحة استفادت منها الدول العربية والإسلامية والسياسة الدولية لأنها أدت لدعم الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم. هذا التوجه السياسي جعل من الرياض صديقة للجميع على الرغم من الاختلاف في التوجهات والسياسات. لذلك نجد أن صداقات المملكة السياسية وعلاقاتها الدبلوماسية متعددة ومتنوعة في جميع مناطق العالم".
فتور العلاقات
وترتبط الرياض بعلاقات تاريخية واستراتيجية مع واشنطن، وهي الأهم في السياسة الخارجية للمملكة على مستويات مختلفة؛ هذه العلاقات شهدت شيئا من الفتور منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وما تطلَّبه ذلك الاحتلال من تفاهمات بين طهرانوواشنطن، وهو ما قَيَّمته بعض دول الخليج بأنه تفضيل استراتيجي لدولة ما فتأت تنشر الإرهاب والدمار في محيط المنطقة العربية.
ومهما كان السلوك الأمريكي تجاه إيران والأزمة السورية؛ فإن العلاقة مع السعودية لا يمكن أن تستمرَّ بهذا الغموض والتردد؛ والذي يعتقد أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وصلت إلى نقطة تمايز نوايا، وقد يكون استمرار العلاقات المميزة هي المفضَّلة في مثل هذا الوقت الحرج للطرفين، إضافة إلى ما يبدو أنه رغبة من خادم الحرمين الشريفين في أن برمي حجر في مياه هذه العلاقة الراكدة؛ بما يحَقِّق مصالح المملكة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها دول الجوار، التي تعتبر أمريكا نفسها طرفاً أساساً في معادلة القوة فيها.
العديد من الدلالات والضرورات تشير إلى الميل إلى أنه سيتمّ تطوير هذه الشراكة بعد إعادة هيكلتها وفق مقاربات جديدة ضمن علاقة ندية تكافؤية، بعيدة عن سياسة الإملاءات؛ في ظل التحركات السعودية الذكية التي قادها سمو ولي ولي العهد عندما سعى لترميم العلاقات مع الدب الروسي والاتحاد الاوروبي وهو ما قد يجبر أمريكا على الرضوخ لحليفهم القديم في الشرق الأوسط.
ملفات هامة
وينتظر أن يناقش الزعيمان العديد من الملفات السياسية العالقة أبرزها الأوضاع في العراق واليمن وسوريا، وأيضاً سلوك إيران في المنطقة. وتأتي هذه المحادثات في وقت هو الأكثر اضطراباً بالشرق الأوسط، حيث تقود أمريكا تحالفاً لقتال "داعش" في العراق وسوريا، فيما تقود السعودية تحالفاً لضرب المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وشددت وسائل إعلام غربية على أن النقاش بشأن العراق سيكون مهماً جداً ومثيراً.
ويمثل إنهاء القتال والسعي لمصالحة سياسية، ومعالجة الأزمة الإنسانية أهدافاً للزعيمين، في العراق وسوريا واليمن، فالسعودية تريد أن ترى المنطقة مستقرة وآمنة في ظل التوتر الذي يلف أجواء الشرق الأوسط، وينتظر العالم أجمع أن يخرج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأمريكي باراك أوباما بقرارات هامة تصب في مصلحة أمن واستقرار الشرق الأوسط بشكل عام والدول الإسلامية والعربية بشكل خاص.