أمام النهار الطويل الذي يلامس ال 19 ساعة يومياً في فصل الصيف, لم يجد بعض مسلمي أوروبا بُداً من اختيار إجازتهم الصيفية في رمضان، هرباً من الضغوط العملية التي يمارسها أرباب العمل في بعض الشركات والمؤسسات ضدّ المسلمين خلال الشهر الفضيل. ومازالت قصة طرد الشبان الجزائريين الأربعة من عملهم في فرنسا العام قبل الماضي عالقة بالذهن, عندما أقدمت بلدية جينيفيلييه، قرب العاصمة الفرنسية باريس، على الاستغناء عنهم كمشرفين على مخيم عطلة صيفية، بسبب صيامهم شهر رمضان، معتبرة أن صيامهم يعرّض حياة وأمن أطفال المخيم للخطر.
وأوردت وسائل الإعلام الفرنسية آنذاك، أن الحادثة وقعت عند زيارة تفتيشية لفرقة أمنية للمخيم الصيفي للأطفال، ولاحظت الفرقة الأمنية عدم تناول الشبان الأربعة وجبة الغذاء مع أطفال المخيم، وتمّ استدعاؤهم مباشرة للاستفسار حول عدم تناولهم وجبة الغذاء، وأكدوا لهم أنهم يصومون شهر رمضان.
وتم إبلاغهم بأن عليهم الأكل والشرب خلال النهار؛ بل هم ملزمون به حسب العقد، وإذا حدث العكس فإن ذلك من شأنه أن يعرّض أمن الأطفال في المخيم للخطر، حيث استدعت إدارة المخيم الشبان الأربعة في وقتٍ لاحقٍ وأعلمتهم بأنه قد تم فصلهم من مناصب عملهم، قبل أن يرفع أولئك الشبان قضية ضدهم ويكسبونها في المحكمة الفرنسية.
ومع تلك المخاوف التي تظهر مع بدء رمضان في كل عام يسعى الشبان المسلمون، خصوصاً ممّن يعملون في أعمالٍ مرهقة في تحديد إجازاتهم خلال شهر رمضان, حيث يفضلون قضاء نهاره بقراءة القران داخل المنزل وليله بالصلاة في أقرب مسجد.
ويرى عمر عبدالله - مغربي الجنسية - الذي يعمل مهندساً معمارياً في إحدى الشركات، أنه من الصعب جداً أن يصوم رمضان في ظل عمله الذي يستمر من السابعة صباحا حتى الثالثة ظهراً تحت أشعة الشمس.
ويقول: "نهار فرنسا هذا العام يصل إلى 19 ساعة تقريباً, وعندما يكون منها 8 ساعات تحت أشعة الشمس، فأن ذلك يعد شبه مستحيل, خصوصاً أنني لا أريد أن أصطدم بمديرين في الشركة بحجة قلة العطاء، خصوصا أنهم يتابعون تحركاتنا خلال شهر رمضان ليتأكدوا أننا نعمل بالشكل المطلوب".
ويبدأ أمساك الصائمين خلال هذا العام في فرنسا عند حدود الرابعة فجراً ويستمر حتى العاشرة مساءً وهو ما يمثل وقتاً طويلاً يجاهد فيه الأغلبية للصبر على الصيام في وسط الفصل الصيفي, في حين يركز أئمة المساجد منذ انطلاقة الشهر مواعظهم على ضرورة الصبر على تعب الصيام, ويذكرون المصلون معهم بحجم الأجر الكبير الذي سينالونه من جرّاء تحمُّلهم الصيام ل 19 ساعة يومياً.
وفي ألمانيا لا يزيد ليل رمضان عن 5 ساعات فقط, حيث يتناول المسلمون إفطارهم في التاسعة والنصف مساءً ويتمون صلاة التراويح عند ال 12:30 مساءً ويصلون الفجر عند ال 2:30 وهو ما يعني أن الوقت الفاصل بين التراويح والفجر لا يعدو عن الساعتين فقط.
ويعتقد الشاب الجزائري مهدي محمد الذي يرتاد أحد مساجد فرانكفورت بشكل متواصل بأن الإجازة في رمضان مهمة للغاية خصوصاً في ظل النهار الطويل وبعض أرباب العمل الذين لا يرحمون، إضافة إلى التفرغ للعبادة خلال الشهر الكريم.
ويضيف: "أحرص في كل عام على السفر للحرمين الشريفين لأداء العمرة خلال هذا الشهر الكريم, وسأسعى أن أكرر هذه العادة خلال العام الجاري في ظل إجازتي السنوية التي أقضيها هذه الأيام خلال الشهر الفضيل".