إنها لحظة الحقيقة، أوان نزع أوراق التوت لتبدو المواقف جلية، والخيارات واضحة، لا تحتمل التأويل. انتهى زمن المناورات ومحاولات شراء الوقت على حساب دماء الأبرياء ومعاناة شعب محاصر. قواعد اللعبة تغيّرت. الاحتلال الإسرائيلي بات يشترط صراحة نزع سلاح "حماس" لوقف الحرب، والحركة مطالبة بوازع إنساني قبل الوطني والسياسي بقرار تاريخي يُنهي المقتلة ويمنح شعب غزة فرصة للحياة. كشف مسؤول في "حماس"، أمس (الثلاثاء)، لوكالة "فرانس برس"، أن الحركة تجري مشاورات موسعة وستسلم ردها على المقترح الإسرائيلي إلى الوسطاء خلال يومين، في حين أشار مسؤول آخر إلى أن وفدًا من الحركة توجه إلى قطر لمواصلة المحادثات بشأن الحرب على غزة. وكان مصدر قيادي في "حماس" أوضح أن المقترح الإسرائيلي الذي تلقته الحركة عبر الوسطاء، يتضمن هدنة لا تقل عن 45 يومًا مقابل إطلاق سراح نصف الرهائن الإسرائيليين الأحياء خلال الأسبوع الأول، واضعًا نزع سلاح "حماس" شرطًا لوقف دائم لإطلاق النار، فيما شدد المصدر على أن "سلاح المقاومة خط أحمر". وتواصل إسرائيل استغلال هجوم "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، لترتكب جرائم إبادة جماعية خلّفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود، مقابل قرابة 1200 قتيل إسرائيلي في 7 أكتوبر، ومئات القتلى وبضعة آلاف من الجرحى بعد هذا اليوم وحتى الآن. ولم تكتف إسرائيل بالقتل، بل دمرت 80 % من القطاع، وحوّلته إلى تلال من الأنقاض. الطرق، ومرافق الكهرباء والمياه والصحة والتعليم سُحقت. ويعيش 2.4 مليون فلسطيني في العراء بلا مأوى أو غذاء أو ماء أو كهرباء. كل ذلك يفرض على "حماس" مراجعة مواقفها، ومقاربة ما جرى بين مكاسب 7 أكتوبر والمآسي الممتدة لعام ونصف العام حتى الآن. المقترح الإسرائيلي يوضح أن نزع سلاح الحركة بات شرطًا مسبقًا لأي صفقة، لا لاحقًا لها، كما كانت تعتقد "حماس". ولم تعد ورقة الرهائن ذات قيمة استراتيجية، في ظل سعي حكومة نتنياهو لتغيير خريطة المنطقة من بوابة 7 أكتوبر، وليس فقط استعادة المختطَفين. بالتالي، فإن تضخيم "حماس" لقضية الرهائن أوقعها في فخ إطالة الحرب، ما منح الاحتلال وقتًا إضافيًا لتحقيق أهدافه التدميرية في غزة، والضفة، والقدس، والمنطقة بأكملها. والمرحلة الثانية من العدوان بعد 18 مارس الماضي، ركزت على التطهير والتدمير والتغيير الديمغرافي، مع وجود عسكري دائم في القطاع تحسّبًا ل "مخططات التهجير الكبرى". المقترح الإسرائيلي الجديد وضع الشروط بوضوح كامل: لا وقف للعدوان قبل أن تعلن "حماس" تخليها عن السلاح. لطالما رددت الحركة أن سلاحها ملك للشعب الفلسطيني، لكن اليوم، هذا السلاح يُعمق المجازر بحق هذا الشعب ويحمّله ما لا يُطاق. رفض "حماس" للمقترح سيجعلها، في نظر العالم، من يتحمل مسؤولية استمرار الحرب. عليها أن تختار الآن: إما التضحية بشعبها لأجل مكاسب سياسية، أو الخروج من الحكم وتسليم السلاح لجهة عربية أو أممية تدخل القطاع ضمن اتفاق متكامل، يضمن وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل وفتح المعابر وبدء أفق لتسوية سلمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الأممالمتحدة، في إطار تواصل عربي جماعي مع إدارة الرئيس ترامب لإنجاز صفقة تاريخية. بحسب ما يُفضل الرئيس الأمريكي.