أكد الباحث الفلكي ملهم محمد هندي، عضو الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء عضو سديم الحجاز الفلكي، أن توهم الأهلة هو إحدى معضلات إثبات أهلة الشهور لدينا منذ فترة طويلة. وأوضح أن علماء الفلك ينفون إمكانية رؤية هلال شهر ما في يوم معين، ونفاجأ بورود شهادة إثبات رؤية، ويدخل إثرها شهر صيام أو فطر، ويدخل الناس في لغط بين اعتماد الحساب أو الاكتفاء بالرؤية.
ولفت إلى أنه يتولد عن ذلك بين علماء الفلك وبعض علماء الشريعة جدال ونقاشات مسبوقة النتائج في تمسك كل طرف برؤيته، وتختلف فيها التفسيرات وتحليل الأحاديث النبوية التي جاءت في هذا الخصوص.
وقال "هندي": "إن بعض الشرعيين يرون أن الأمر كله متروك للرؤية للحديث الشريف (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، وينظر علماء الفلك بوجوب اعتماد الحسابات الفلكية الدقيقة لولادة الهلال ومدة المكوث وغيرها من الاعتبارات التي اعتمدها كبار علماء الفقه والفلك منذ عصور، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي اعتمد في فقه الاستهلال على حساب الفلكيين".
واستدرك: "لكن تبرز شدة نقطة الخلاف في عصرنا، وهي شهادة رؤية هلال غير موجود، رغم أن الشاهد ذو صلاح وذو رأي ومتوافق شرعياً للإدلاء بشهادته؛ فتتم رؤية الهلال بعد غروب الشمس رغم أن الحسابات تؤكد غروب القمر قبل الشمس واستحالة وجوده بعد الغروب، وبناء على القاعدة الشرعية التي تنص بوجوب قبول الشهادة يعلن دخول الشهر".
وأضاف "هندي": "هنا ندخل في موضوع توهم الأهلة الذي يؤثر فيه عاملان، الأول عامل قديم، وهو الكدر الطبيعي من غبار وغيوم، والثاني عامل جديد وهو الكدر الصناعي نتيجة الأدخنة والغازات والتلوث الضوئي وكثرة الأجهزة الطائرة من وسائل مواصلات وغيرها".
وتابع: "وهنا يدخل العامة ممن لا يعلم مواقيت ومواقع الأجرام في التوهم، وتتشابه عليه الأمور".
وأوضح "هندي" أنه "حدث أثناء تجربة شيفر بالاستهلال في أمريكا عام 1992م أن شهد 15 % من المستهلين برؤية وهمية على مدار أربع سنوات فترة التجربة".
ولفت إلى أن "التوهم ليس جديداً؛ فقد جاء في الأثر عن الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - حين خرج مع مجموعة من الناس للاستهلال، وقد كان أنس قارب المائة، فقال أنس: قد رأيته هو ذاك. وجعل يشير إليه فلا يرونه، وكان إياس القاضي حاضراً، فنظر إلى أنس وإذا شعرة بيضاء من حاجبه قد تدلت فوق عينه فمسحها وسواها بحاجبه، ثم قال انظر أبا حمزة، فجعل ينظر ويقول: "لا أراه".
وبيّن "هندي" أنه خلال معاصرته للأرصاد فقد شهد أكثر من أربع حالات يتوهم فيها الهلال رغم أنه في غير زمانه وموضعه، وربما الصورة المرفقة نموذج من توهم الهلال.
وأوضح أنه "في يوم 28 من شهر ذي الحجة من عام 1430ه التقطت صورة للأفق الغربي لمدينة جدة؛ إذ بدا للبعض وجود الهلال بغير مكانه ولا زمانه، فأخذت له صورة ريثما يتم تجهيز التلسكوبات للتأكد منه، وما هي إلا ساعة حتى تبين لنا أنها غيمة صغيرة، جعلت منها إضاءة الشمس وشكلتها على شكل هلال للتوهم به".
وقال "هندي": "هذا حدث لنا نحن الفلكيين، ونحن لدينا خبرة في الأهلة، ورغم ذلك تشابه علينا، ولكن السؤال: كيف لو كانت هذه الغيمة في يوم 29 شعبان أو في 29 رمضان؟ هل سيعلم العامة ومن يجهل بالفلك أنه غير الهلال أم سيصدق عينه ويشهد به ويعلن دخول رمضان؟".
وتابع: "لذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار الحسابات الفلكية على الأقل بأن القمر موجود فوق الأفق بعد غروب الشمس بوقت كافٍ لإمكانية رؤيته".