دعا الشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان المستشار في الديوان الملكي إلى تطبيق لائحة تحري رؤية الهلال التي صدرت بالأمر السامي المبني على قرار هيئة كبار العلماء وقرار مجلس الشورى والتي تضمنت تشكيل لجان يشترك فيها الفلكيون بالمراصد مع الاستعانة بمن يعرف بحدة البصر وهذا يعني الجمع بين المراصد ورؤية العين المجردة. وتساءل العبيكان عن جدوى حضور الفلكيين بالمراصد التي تقرب البعيد مئات المرات عن نظر العين البشرية ثم تقبل دعوى الشاهد برؤيته مع عدم رؤيته بالمرصد، مؤكدا ان هذا مما يستحيل معه عقلا وشرعا وحسا وذلك لاستحالة ان ترى العين المجردة ما لا يرى بالمرصد في المكان الواحد والزمان الواحد لأن المرصد يكبر حجم الهلال الى المئات. واشار الى انه لا يجوز القدح في الفلكيين والتشكيك في قدرتهم بمجرد الاوهام والخيالات ولا يمكن إجماعهم على الخطأ في هذا العلم المتقدم. وفيما يلي النص الكامل لحديث الشيخ العبيكان فيما يتعلق بالجدل الدائر حول صحة رؤية هلال شهر شوال. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. فقد كثر الجدل والنزاع في صحة رؤية هلال شهر شوال لهذا العام وصحة فطر المسلمين يوم الثلاثاء وأحب أن أوضح رأيي في هذا الموضوع المهم عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم» رواه البخاري ومسلم، فأقول: أولًا: يجب الرجوع إلى أهل الاختصاص في كل فن من فنون العلم كما قال عز وجل: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». ثانيًا: لا شك أن الاعتماد في دخول الأشهر على الرؤية الشرعية الحقيقية وليست الوهمية إما بالعين المجردة أو بالمراصد حسب قرار هيئة كبار العلماء في عام 1403ه عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ...الحديث». رواه مسلم. ثالثًا: يجب عدم إغفال أقوال أهل الاختصاص في هذا الجانب وهم الفلكيون، ولذا أجمع من حضر مؤتمر الأهلة المنعقد في جدة من علماء وفلكيين من عدد من دول العالم الإسلامي والذي افتتح بحضور سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله على وجوب الاعتماد على أقوال الفلكيين في النفي دون الإثبات وأفتى به الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لأن الإثبات يختلف حسب المكان والزمان، ومعنى قبول قولهم في النفي أنهم إذا قرروا أن القمر يغرب قبل الشمس فلا يصح أبدًا قبول أي دعوى من الشهود أنهم رأوه لأنها تعتبر رؤية للمعدوم وهذا مستحيل، أما إذا قالوا يغرب بعد الشمس فيمكن قبول الشهادة الحقيقية للهلال وتتأكد صحة هذه الرؤية بظهور الهلال في المراصد لأن تحديد إمكانية الرؤية بالدرجة فيه اختلاف حسب صفاء الجو وقوة النظر ونحو ذلك كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية. رابعًا: يجب تطبيق لائحة تحري رؤية الهلال التي صدرت بالأمر السامي الكريم المبني على قرار هيئة كبار العلماء آنف الذكر وقرار مجلس الشورى والتي تضمنت تشكيل لجان يشترك فيها الفلكيون بالمراصد مع الاستعانة بمن يعرف بحدة البصر وهذا يعني الجمع بين المراصد ورؤية العين المجردة وإلا فما فائدة حضور الفلكيين بالمراصد التي تقرب البعيد مئات المرات عن نظر العين البشرية ثم يقبل دعوى الشاهد برؤيته مع عدم رؤيته بالمرصد، فإن هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وحسًا فلا بد في قبول الشهادة من أن تنفك عما يكذبها عقلًا وحسًا وشرعًا ومع اجتماع المرصد والشهود والفلكيين، يتلافى الخطأ والوهم لاستحالة أن ترى العين المجردة ما لا يرى بالمرصد في المكان الواحد والزمان الواحد لأن المرصد يكبر حجم الهلال إلى المئات، وعلى سبيل المثال أخبرنا الشاهد يونس المعروف بحدة البصر والذي كان يعتمد على رؤيته سنين ماضية وهو من سكان تبوك أنه في احد الشهور وقف هو وشاهد آخر حديد البصر يترائيان الهلال ومعهما فلكي ومعه مرصد فزعم الشاهد الآخر أنه رأى الهلال وخطأه يونس فقال الفلكي انظرا إلى المرصد الذي كبر حجم الجرم الذي رآه ذلك الشاهد وإذا هو قطعة صغيرة من سحابة. خامسًا: تم خروجي مع معالي وزير العدل السابق الدكتور عبدالله آل الشيخ وفضيلة وكيل وزارة العدل سابقًا الشيخ عبدالله اليحيى وفضيلة الشيخ محمد البابطين المعني بموضوع الأهلة، وفريق من مدينة الملك عبدالعزيز برئاسة سمو الأمير تركي بن سعود بن محمد نائب رئيس المدينة وعضوية فلكيين ومعهم مرصد وصحبنا شاهدان من تبوك أحدهما يسمى يونس وهو المذكور آنفًا ووقفنا في شهر من شهور تلك السنة على مرتفع في ظهرة لبن في الرياض، وقد قرر الفلكيون في حساباتهم أن القمر في تلك الليلة يغيب قبل الشمس فلما غربت الشمس طلب معالي وزير العدل من الشاهدين أن يترائيا الهلال وذلك للتأكد من صحة ما يقوله الفلكيون وفعلًا تم ذلك ولم يريا الهلال وأخبر الفلكيون أن الهلال في الليلة القادمة سيغيب بعد الشمس فتم خروجنا الليلة التي بعدها لترائي الهلال وتخلف وزير العدل ووكيل الوزارة والشاهد الآخر فقط لظروف وطلب مني الوزير أن أصحب اللجنة فتم وقوفنا في نفس الموقع وطلبت أن يتقدم الشاهد يونس حتى لا يرى المرصد ويتراءى الهلال وفعلًا تم ذلك، وبعد جهد رأى الهلال وحاول أن يرينا إياه بتحديد مكانه بالإشارة فرأيناه بصعوبة بعد أن زادت الظلمة قليلًا ومع هذا فإن الفلكي معه كتاب يحدد إحداثيات مكان الهلال في كل شهر ومقدار ميلانه فتم إدخال الإحداثيات بعد غروب الشمس مباشرة فتحرك الجهاز آليًا إلى جهة موقع الهلال ورأيناه في الشاشة واضحًا جدًا مكبرًا فتم بهذه الطريقة ولله الحمد اتفاق رؤية العين المجردة الصحيحة مع رؤية المرصد ولا يصدق عاقل أن يستطيع الإنسان أن يرى بعينه المجردة ما لا يمكن أن يراه بواسطة المرصد والغريب أن الذين يخرجون إلى حوطة سدير من أعضاء اللجنة من فلكيين وغيرهم لم يشاهدوا الهلال عن طريق المرصد في الليلة التي يدعي الشهود أنهم رأوه بل جزم الفلكيون في بعض الشهور التي أثبتت فيها الرؤية بالعين المجردة أنه غرب قبل الشمس فهل يقبل عاقل مثل هذه الشهادة ويستخف هؤلاء بعقول الناس وخاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه تلوث الجو بالغبار ودخان الطائرات والمصانع وغيرها، وإن أحسنا الظن فإننا نقول رأوا كوكبًا آخر حسب إفادة الفلكيين وأيضا هل جميع هؤلاء الشهود يتمتعون بحدة بصر خارقة، ومن المستغرب والمثير للعجب أنه لما أمر سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض أن يخرج عدد من الفلكيين بمرصدهم مع أبرز الشهود الذين بحوطة سدير مدة ستة أشهر ليتأكدوا من قدرته على رؤية الهلال لم يستطع هذا الشاهد أن يرى الهلال ولا شهرًا واحدًا مع وجود الهلال بالأفق وظهوره بالمرصد كما أخبرني بذلك أحد الفلكيين وهذا الشاهد كان يقول إنني لا أعتمد على حساب ولا مناظير حسب ما أفادني به بعض المشايخ وأعضاء اللجنة الذين يقابلونه ثم نقلت عنه صحيفة سبق الكترونية قبل رمضان أنه يقول أنني منذ عام 1415ه اعتمد على حساب ومناظير فانظروا إلى هذا التناقض فإن كان ما يزعمه صحيحًا من أنه يعتمد على مناظير فالتلسكوبات الحديثة تكذب منظاره وإن كان يعتمد على حساب فالفلكيون أهل الحساب يخالفونه، والغريب أيضًا أن هؤلاء الشهود لا يرغبون حضور الفلكيين معهم ويحاولون البعد عنهم حتى لا تتضح الحقائق بخلاف الشاهد يونس ومن معه الذين يرحبون بحضور الفلكيين والمراصد والأدهى والأمر أنه جاء في قرار المحكمة العليا ذي الرقم (27/ ه) والتاريخ 29-30/8/1432ه الذي أُثبت فيه دخول شهر رمضان هذا العام وأعلن في وسائل الإعلام ما يلي: «بل قد ثبت بشهادة عدد من الشهود العدول أن القمر غاب هذه الليلة قبل غروب الشمس» فيا أيها العقلاء كيف يستطيع بشر أن يرى الهلال نهارًا قبل غروب الشمس فإن هذا مما يتعذر حتى بالمراصد وإنما يدرك بالحساب. ولي ملاحظة على قول المحكمة العليا (العدول) فمن هو الذي عدل هؤلاء الشهود وكيف كان التعديل، فإن الملاحظ أن العمل في المحاكم هو طلب التزكية للشهود من شهود آخرين لا يعرف حالهم بل يحتاجون هم أيضًا إلى التزكية من شهود آخرين، فإن لم يكونوا معروفين فتطلب تزكيتهم وهكذا فيدعو إلى التسلسل والدور وإنما الذي ذكره أهل العلم أن تطلب تزكية الشهود من أشخاص معروفين لدى القاضي بالعدالة أو اشتهروا بين الناس بذلك، أما ما يجري عليه العمل في المحاكم من قبول التزكية ممن لا يعرف القاضي حاله ولم يشتهر بين الناس بذلك فهذا لا يتفق مع النصوص الشرعية. فرحنا سابقًا لما ردت المحكمة العليا شهادة بعض هؤلاء الشهود حسب ما أخبرني به بعض أعضائها ثم نراها وللأسف تقبلهم في هذا العام. ومن المعلوم أنه إذا مكث الهلال بعد الشمس درجة واحدة وهي أربع دقائق فلا يمكن رؤيته قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يُرى» مجموع فتاواه ج25/ ص 186. وقال أيضًا: «لَكِنْ الرُّؤْيَةُ لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً بِدَرَجَاتٍ مَحْدُودَةٍ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حِدَةِ النَّظَرِ وَكَلَالِهِ، وَارْتِفَاعِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَرَاءَى فِيهِ الْهِلَالُ، وَانْخِفَاضِهِ، وَبِاخْتِلَافِ صَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ. وَقَدْ يَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ لِثَمَانِي دَرَجَاتٍ، وَآخَرُ لَا يَرَاهُ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ دَرَجَةً». الفتاوى 25/207 فإذًا: أقل ما ذكره رحمه الله ثمان درجات أي ست عشرة دقيقة. سادسًا: قرر الفلكيون أن الهلال يغرب في الرياض مع الشمس ويبقى في منطقة مكة بعد الشمس أربع دقائق أي درجة واحدة وقالوا باستحالة الرؤية في هذا الوقت وفعلًا لم ير في المراصد لا في الهدا ولا في جدة، فهل يصدق عاقل أن إنسانًا يرى الهلال في هذا الوقت مع بقاء شعاع الشمس ودقة جرم الهلال! حتى ولو زعم الشهود أن الهلال مكث في حوطة سدير أربع دقائق أي درجة واحدة فهذا مستحيل كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وأعظم من هذا أن المحكمة العليا تصدق أنهم رأوه قبل الشمس وغاب قبلها كما في البيان آنف الذكر. سابعًا: أصبح الشاهد يونس في السنين الأخيرة ينكر شهادة الشهود ويؤكد أنه لم ير الهلال الذي ادعوا رؤيته مع قوة بصره وحدته. ثامنًا: نستطيع أن نصل إلى شبه يقين بتحديد وقت دخول الشهر لمدة طويلة متى قرر الفلكيون بالحسابات الدقيقة أن القمر سيمكث بعد غروب الشمس فترة يمكن للمراصد والعين المجردة أن تراه ثم إنه إذا تم الترائي تلك الليلة فإنه يضعف جدًا ألا يرى وبهذا يمكن تلافي الضرر والنزاع الحاصل ويستطيع المسلم أن يبني على هذا التقرير الذي يقرّب له مظنّة الرؤية الشرعية بنسبة كبيرة فيرتب حجوزاته في الطائرات والسكن وخاصة في موسم الحج بما يتلافى به حصول الضرر عليه كما حصل قبل عدة سنوات عندما صومنا مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة ثمانية وعشرين يومًا فقط وأمرنا بقضاء يوم، وكما حصل في حج سنة ماضية قبل عدة سنوات عندما أعلن المجلس يوم الوقوف بعرفة وبعد أيام أعلن تغيير يوم عرفة إلى اليوم الذي قبله مما تسبب في إرباك لكثير من الحجاج في حجوزات الطائرات وأضرار على بعض مسلمي أوروبا في تحديد وقت ذبح الأضاحي المتفق عليها مسبقًا مع شركات أو مؤسسات. تاسعًا: ما ذكره البعض من أنهم رأوا الهلال ليلة الأربعاء ومكث أربعين دقيقة وبنوا على ذلك أن رؤية الهلال في الليلة السابقة صحيحة فهذا من الخطأ لأن أهل الاختصاص من الفلكيين يقولون إن مدة مكث الهلال مبنية على ولادته فكلما طالت المدة بين ولادته وبين غيابه بعد الشمس طالت مدة مكثه وكبر حجمه. عاشرًا: أخبرني بعض العلماء المشهورين بالفتوى أنه كان يسير بسيارته في طريق ومعه أحد الشهود الذين عادة ما يشهدون برؤية الهلال وكان أمامهم لوحة، فطلب الشيخ من الشاهد أن يقرأ ما كتب في اللوحة فلم يستطع الشاهد قراءته رغم أن الشيخ يستطيع قراءة المكتوب فيها بوضوح وأفادني البعض من أن أحد الشهود يدعي أنه يرى ما خلف الثياب وأمورًا لا تصدق وهذا يعتبر مانعًا من قبول شهادة هؤلاء الشهود والقاعدة الشرعية: (أن الجرح مقدم على التعديل)، وقال لي الأخ الفاضل الدكتور خالد بن صالح الزعاق الباحث الفلكي عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك كلامًا يدل على عدم صحة شهادة الشهود وكتب لي ما نصه: «في يوم الترائي غابت الشمس على مرصد حوطة سدير الحجري في طبقة القتر قبل مغيبها الحقيقي ب 6 دقائق، ومع ذلك تم إثبات الشهادة، وقال: لي تجربة شخصية مع الشهود المعتادين تزيد على خمس وعشرين سنة منذ أن كان شاهد الحريق رافعًا راية الشهادة حتى تسلم شهود حوطة سدير الراية منه بعد انكشافه، ومن هذه التجارب تجربتي مع رؤية هلال شوال لهذه السنة 1432ه ففي يوم الاثنين 29 رمضان 1432ه ذهبت إلى حوطة سدير ووصلت مبنى المحكمة في تمام الساعة 3 عصرًا، وحاولت معرفة مكان الرصد بطريقتي الخاصة إلا أني لم أستطع وهذا ما كنت أتوقعه لأن مكانهم لا أحد يعرفه إلا الشخص المعني بالشهادة ويحدد مكان خفي عن طريق الاتصالات حتى لا يذهب معه من لا يريدهم، وظننت أنهم سيذهبون إلى مرصدهم الحجري الواقع بين جلاجل والداهنة، فذهبت إليه ونصبت ثلاثة تلسكوبات 12 بوصة و10 بوصة و8 بوصة، استعدادًا للرصد وانتظرتهم، وخاب ظني بعدم حضورهم إلى هذا الموقع، وهو موقع يرتفع عن سطح البحر 900 م، وليس مكانًا صالحًا للرصد لوجود إضاءة مدينة الداهنة في الجهة الغربيةالجنوبية، ووجود سلسلة مرتفعات متعرجة في جميع الجهات، وتم الوصول إلى الموقع في تمام الساعة 4:55 م، وكانت الأجواء صافية في طبقات الجو العليا ويوجد حزام قتر تدركه العين ببساطة ممتد من الشمال إلى الجنوب وأظهرت شاشات التلسكوبات أن الشمس تغيب على هذا الموقع في تمام الساعة 6:26 م، والقمر يغيب 6:27 م، بمعنى أن القمر يمكث دقيقة واحدة فقط، وبعد الرصد عبر عدسات التلسكوبات تبين التالي: 1- بدأت أشعة الشمس بالاصفرار في تمام الساعة 5:55 م 2- بدأت أشعة الشمس بالاحمرار في تمام الساعة 6:10 م 3- تضاءل شعاع الشمس السفلي في تمام الساعة 6:14 م 4- لامست الشمس طبقة الغبار 6:17 م 5- اختفى نصف قرص الشمس بالكدر 6:19 م 6- اختفى كامل قرص الشمس بالكدر 6:20:20 م وعند ملاحظة الرصد تبين لي أن الشمس غابت عن عدسة التلسكوبات قبل موعد غيابها الحقيقي في طبقة الكدر ب 6 دقائق، فبواسطة التلسكوبات لم أستطع مشاهدة الشمس بجلالها وبهائها وقوتها فكيف يرى هؤلاء الهلال في نفس المنطقة، ومن هذه التجارب تجربتي معهم في يوم الأربعاء 29 رمضان 1431ه حيث استطعت الذهاب مع لجنة سدير عن طريق قاضي محكمة الخرج بصحبة نائب رئيس أوقاف الخرج، وحينذاك تجلى لي بعض الملاحظات على الشهود، وتولد لدي انطباع ولن أتطرق لشيء من ذلك إلا فيما يخص يوم الترائي الموافق ليوم الأربعاء 29 رمضان 1431ه وسأبرز أهم ما أدلى به شاهدهم مع التوجيه، علمًا بأنني وثقت الموقف بالصور والكتابة اليدوية بكل ما يصدر منهم لكشف حقيقة الأمر، نصبت تلسكوبي وهو جهاز يضبط نفسه تلقائيًا، وذو عدسة مقدارها 10 بوصة، وموقع الرصد كان رائعًا، والأجواء صافية، في طبقات الجو العليا أما الطبقات الملامسة لسطح الأرض ففيها قتر واضح بحيث إن حاجب الشمس السفلي بدأ يختفي في هذه الطبقة في تمام الساعة 6:6 م، وبعد 65 ثانية غاب نصف الشمس، وفي تمام الساعة 6:9 دقائق انغمس كامل قرص الشمس في معمعان القتر، ولا يستطع التسلكوب أن يدركها رغم قوته الفائقة، وحينئذ تفاجأت بأن الرائي (ع) يدعي بأنه مازال يرى الشمس، وأنه شاهد الهلال وهو يغيب في تمام 6:7 دقائق، وموقعه جنوب مغيب الشمس بقدر 6 أو 7 أقراص الشمس ولي وقفات حول هذا: 1-ادعاء الأخ (ع) بأنه شاهد قرص الشمس السفلي، لامس حد الأفق في تمام الساعة 6:10:40 م وأن قرص الشمس انغمس بالتمام في تمام الساعة 6:11:50 م. وإذا أجرينا عملية حسابية وجدنا أن (ع) يدعي بأنه رأى الهلال لمدة دقيقة واحدة، وعشر ثوان.... ملحظ قوي: محيط قرص الشمس في جميع أنحاء العالم لا يمكن أن يستغرق دقيقة واحدة، وعشر ثوان، بأي حال من الأحوال، فمحيط قرص الشمس في مرحلة الأوج (وهي أن تكون الشمس في أبعد نقطة من الأرض) تستغرق مدة زمنية لا تقل عن دقيقتين على خط الاستواء والتي تغيب فيها الشمس بشكل رأسي، فما بالك بالعروض الجغرافية العليا كحال عرض المملكة والذي يجتازه مدار السرطان والشمس لا تغيب بشكل عمودي بل بطريقة منحرفة بسبب ميلاننا عن خط الاستواء، ولقد عاودت الرصد في نفس المكان في يوم الاثنين 4 شوال 1431ه وكانت الأجواء صافية جدًا، وشاهدت كامل قرص الشمس وهو يغيب بالأفق واستغرق القرص دقيقتين وثانيتين. ولقد تابعت شهادات الشهود في سدير وشقراء والغاط كلها وأدركت أنهم يتبعون طريقة حسابية قديمة لترائي الهلال ملخصها أنهم ينظرون إلى وقت ولادة الهلال ووقت غروب الشمس من الحسابات الفلكية ويستخرجون الفسحة بينها بالدرجات، بحيث إن كل ساعتين درجة واحدة ويضربون الحاصل بأربعة والناتج هو مكث للهلال وعند الترائي يتوهمون أن الهلال سيمكث هذا المقدار من الزمن ويهيئ لهم بأنهم رأوه ويشيعون أنه مكث بالمقدار الذي يستخرجونه من أذهانهم إلا أن إجهاض القمر في بعض شهور السنة يكشف سطحية هذه العملية البدائية، وهؤلاء الشهود لا يشاهدون الهلال البتة ولو كانوا واثقين من شهادتهم لفسحوا المجال لوسائل الإعلام بالنقل المباشر لطريقة رصدهم، بل نجدهم عندما تسلمت المحكمة العليا ملف الأهلة غيروا من طريقة الشهادة حتى لا ينكشف أمرهم، وهي أنهم بدأوا يشهدون برؤية الأهلة قبل غروب الشمس وهذا محال عقلًا وعلمًا، إلا أن تقدمهم بالشهادة هذه حتى لا يخسروا المحكمة العليا لأنها لن تثبت شهادتهم والقمر يغيب قبل الشمس كما كان معمولًا به في السابق ولا يخسروا الناس بأنهم ما شهدوا فيشهدون برؤية الهلال بطريقة منكوسة حتى لا تنكشف شهاداتهم في السنوات المنصرمة المخالفة للقانون الكوني الدقيق الذي أودعه الله في هذا الكون الفسيح. ولدي اقتراح للمحكمة العليا وهو أن أي شخص يشهد برؤية الهلال يجرى له امتحان واقعي بحيث يؤتى به مع لجان شرعية وفلكية ونفسية في منتصف الشهر القمري إلى مكان لا يعرفه قبيل شروق القمر من الجهة الشرقية ويطلب منه أن يريهم القمر وهو يشرق، فالقمر يكون بدرًا في منتصف الشهر القمري ومع هذا لا يستطع الإنسان أن يشاهده في حال شروقه حتى يرتفع عن الأفق 5 درجات ويخرج من حيز الغبار والأتربة، وهو في أقصى ابتعاد عن الشمس بل الشمس غرب وهو شرق، فكيف يصح ادعاء هؤلاء بأنهم شاهدوا الهلال وهو قرب الشمس وفي محيط الغبار والأتربة وشكله كالشعرة، بل الشمس رغم بهائها وقوة إضاءتها لا نستطيع أن نشاهدها وهي تشرق أو تغرب في كثير من أيام السنة عندنا بسبب كثرة الغبار». انتهى كلامه. كما تحدت الجمعية الإسلامية البريطانية من يرى الهلال ليلة الثلاثاء ووضعت مبلغا ماليا لمن يثبت انه رآه كما نشر ذلك في بعض الصحف. الحادي عشر: لا يجوز القدح في الفلكيين والتشكيك في قدرتهم بمجرد الأوهام والخيالات، ولا يمكن إجماعهم على الخطأ في هذا العلم المتقدم والذي أثبت صحة ما يخبرون به في مدة الخسوف والكسوف ووقت شروق الشمس ووقت غروبها وتعامد الشمس في كبد السماء وكل ما يتعلق بالعلم الفلكي البحت رغم أنهم يخبرون عن ذلك قبل وقوعه بزمن طويل وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أن خبر الحاسب بالكسوف والخسوف ليس من علم الغيب ولا من الكهانة والتنجيم قال رحمه الله: «وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنَّما يعرفه من يعرف حساب جريانهما وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه. الفتاوى ( 4/425 ) وبمعنى ذلك قال ابن هبيرة. إن الفلكيين يتكلمون بعلم والشهود بمجرد رؤية تحتمل أن تكون لجرم آخر من الأجرام السماوية إن أحسنا الظن و خاصة مع ما تقدم ذكره من حال بعض الشهود، وقد قرر العلماء أن شهادة الآحاد تحتمل الصدق والكذب فهل يترك الأمر القطعي المبني على العلم الحديث والحساب الدقيق ويعمل بشيء ظني هذا ما لا يقبله العقل ولا تقره الشريعة الإسلامية فالقاعدة الشرعية تقضي بأن العمل يكون باليقين ولا يلتفت للشك وهذه القاعدة مأخوذة من عدة نصوص منها قوله صلى الله عليه وسلم: «فليطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ» رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» رواه البخاري ومسلم، وهذا وإن كان في الصلاة والطهارة إلا أنه يشمل العبادات وغيرها، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ولا يأتي متفيهق فيقول: إن القاعدة الشرعية الأخرى تقول: إن المثبت مقدم على النافي، فإنني أقول: إن المقصود بها أن المثبت الذي يقبل قوله إذا كان إثباته صحيحًا لا من باب الوهم ونحوه وقد ذكر الفقهاء أن شهادة النفي مقبولة إذا حُددت بزمان أو مكان وهذه المراصد تكون في نفس الموقع الذي يشهد به الشهود. أما من يقول: إنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ.... الحديث» رواه مسلم. فأقول: لا يصح أن يفهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نصوم أو نفطر برؤية وهمية، فإن من يظن هذا يتهم الشريعة الإسلامية بأنها تبني أمورها على الوهم والخيالات، وأنني أعجب ممن يأخذون بالعلم الحديث وبالأجهزة المتطورة في جميع الأمور ويعملون بها ثم في مسألة رؤية الهلال يشككون فيه بمجرد شهادة من أشخاص الله أعلم بحالهم وعلى كل حال فهي شهادة ظنية تحتمل الوهم. الثاني عشر: إنني أطمئن المسلمين إلى صحة صيامهم وفطرهم ولو أخطأ الشهود، والمسؤولية أمام الله عز وجل تقع على الشهود والمحكمة العليا بناء على قوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» أخرجه الترمذي وابن ماجه، وفي رواية: «صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون» واعتمدها ابن تيمية، وما قرره الفقهاء من أن الناس لو اخطأوا في الوقوف يوم عرفة أجزأهم ذلك وصح حجهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فان الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم» مجموع الفتاوى ج25 / ص 202-203.