يعاني أصحاب المحال التجارية بمكةالمكرمة من قلة اقبال الفتيات السعوديات للعمل بوظائف التأنيث، مبدين قلقهم الشديد من الجولات التفتيشية والرقابية التي تنفذها وزارة العمل بين الفينة والأخرى على تلك المحلات وتهديدات الوزارة بإغلاقها إذا لم توظف سعوديات. «عكاظ» تجولت بالمراكز التجارية وأسواق العاصمة المقدسة لمعرفة أسباب عزوف الفتيات السعوديات عن العمل بوظائف التأنيث وخرجت بالعديد منها على لسان عدد من مسؤولات البيع بهذه المحلات وبعض المختصين في المجال. وفي هذا السياق قالت مزن سعيد مسؤولة بأحد المحال لبيع الملابس الداخلية إنها تحمل مؤهلا علميا متواضعا، بالإضافة إلى العديد من الدورات التدريبية، ولم تتمكن من الحصول على عمل براتب جيد من عدة سنوات، فكل الوظائف تقدم رواتب زهيدة مقابل عمل مضن دون أي حقوق في نهاية الخدمة، مشيرة إلى أنه منذ ثلاثة أشهر هاتفتها مسؤولة الشركة، وأخبرتها بوجود وظيفة شاغرة كمسؤولة بمحل جديد سيتم افتتاحه بالمركز، وبعد أن اجتازت المقابلة، تم تعيينها ب3000 ريال ومعها موظفتان تحملان شهادات جامعية وبنفس راتبها. وزادت «نعاني من فترتي الدوام، حيث تشكل العبء الأكبر على أغلب الموظفات العاملات بوظائف التأنيث بالمحلات التجارية،على الرغم من اقتراحهن تحويل الدوام إلى شفتات بين الموظفات حتى يتمكن من الموازنة بين وظائفهن وواجباتهن المنزلية والأسرية، إلا أنه رفض وهذا ما أجبر بعض الموظفات على ترك العمل بعد أسابيع أو بضعة أشهر». من ناحيتها تتفق البائعة سميرة علي مع سابقتها من ناحية تقبل الوظيفة وجدوى الراتب، موضحة أنها عملت لمدة عام في نفس الشركة بقسم الإدارة، ومن ثم اضطرت للتنازل عن منصبها بسبب الخلافات المستمرة مع زميلاتها بالقسم، قائلة «أحمل شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية وتخرجت منذ ثلاث سنوات ولم أحصل على وظيفة مناسبة لمؤهلي الدراسي وبراتب جيد، فكانت وظائف التأنيث هي أفضل خيار لي لتطبيق ما درسته في فن التعامل مع الآخرين والاحتكاك بالجمهور، وتجاوز الصعوبات المعوقات التي كنت أواجهها كل يوم»، معتبرة أن لكل عمل محاسنه ومساوئه وهي في تقديرها استفادت كثيرا من هذه المهنة. وأوضحت سميرة أن من بين المشاكل التي واجهتها في العمل دخول الرجال مع عوائلهم داخل المحل، وأحيانا ترفض المرأة الدخول دون زوجها، ما يتسبب في توتر بعض الزبونات ويجعلهن قلقات جدا جراء وجود الموظفات في المحل بسبب غيرتها الشديدة على زوجها، فيغادرن دون أن يشترين شيئا أو تفتعل الزوجة أي مشكلة للخروج من المحل، الأمر الذي اضطرت بسببه بعض الموظفات إلى تقديم استقالاتهن وترك العمل، أو العراك مع بعض الزبونات رغم محاولاتهن المضنية لحل هذه العقبة، حيث طالبن بعدم السماح للرجال بمرافقة نسائهم بالتنويه على ابواب المحلات بأنها للنساء فقط، وأردفت «ما زلنا نعاني من رفض بعض الشرائح في المجتمع بسماح للمرأة بأن تتعامل مع المرأة في المحلات التجارية دون اصطحاب أي رجل لداخل المحلات المخصصة للمستلزمات النسائية». دورات متخصصة وترى سميرة أنه يجب أن تمنح طالبات العمل دورات متخصصة في البيع والتعامل مع الزبائن والتكيف مع ضغوط العمل، بالإضافة إلى تعديل نظام عمل المرأة في الأسواق وتحديد ساعات عمل تتناسب مع وضعها الاجتماعي وخصوصية المجتمع ولا تتساوى مع الرجل في ذلك، فضلا عن منحها بدل مواصلات أو إجبار أصحاب المحلات التجارية على تخصيص حافلات لنقلهن من منازلهن إلى مقر العمل والعكس، لأن الوضع الآن صعب ولا يستطعن توفير شيء من رواتبهن في حال استغلال سيارات الأجرة للوصول إلى مواقع العمل، خاصة أن العائد ليس كثيرا ويكفي بالكاد لمستلزمات المرأة نفسها. تقول خريجة كلية الاقتصاد المنزلي حياة «عدم قبولي بالخدمة المدنية طيلة ال10 سنوات الماضية وتحديدا في مجال التدريب بالرغم من مؤهلاتي الجامعية هو ما أجبرني على التقدم لوظيفة بائعة بالأسواق النسائية، ولم يعترض أهلي على عملي نهائيا، وبصراحة هو أفضل من حيث المرتبات والبدلات عن باقي الوظائف الأخرى بالقطاع الخاص، برغم أنها ليست موحدة وتختلف من شركة إلى أخرى ولا تستند إلى أي معايير محددة بحسب المؤهلات العلمية والدورات التدريبية والخبرات، غير أنني سأستمر بعملي إلى أن يوقفني الله ويحقق حلمي بالعمل في التدريس كباقي زميلاتي، كما أتمنى أن تستر المعارض بزجاج عاكس لكي نأخذ راحتنا أكثر بدلا من وضع النقاب طيلة فترة العمل ومراعاة لخصوصيتنا كنساء، لأن المحلات في الأصل نسائية ويجب ألا يدخلها أي رجل». من جانبها أبدت شروق انزعاجها من العمل بمحلات متعددة الأقسام وتحتوي على بعض الأنشطة التجارية التي تتطلب وجود الجنسين، مبينة أن العديد من الفتيات تركن العمل بسبب الاختلاط وعدم قدرتهن على العمل مع الرجل في نفس المعرض، معتبرة أن الساتر الذي تضعه بعض المحلات غير كاف لحفظ خصوصيتهن ومراعاة حقوقهن كنساء، وقالت انها تفضل العمل في الأماكن المخصصة لبيع البضائع النسائية بعيدا عن أعين الرجال. أم خالد تفضل التعامل مع امرأة مثلها في مسألة البيع والشراء لأنها تتفهم احتياجاتها ولا تتحرج من طلب المقاسات أو استشارتها في ما يناسبها من موديلات وألوان بملابسها وماكياجها وعطوراتها، عوضا من التعامل مع رجل غريب عنها ولا يمت إليها بصلة، متمنية تخصيص مولات ومراكز تجارية نسائية حتى تتمكن كل من الموظفات والزبونات من البيع والشراء وسط أجواء نسائية تحفظ خصوصيتهن وتراعي حقوقهن العادات الاجتماعية، ويكون لها ساعات عمل محددة، ويمنع دخول الرجال إليها قطعيا. غير مهيأة في المقابل، رفضت بعض الفتيات من الخريجات بمختلف المراحل العلمية بمكةالمكرمة العمل في مجال تأنيث المحلات التجارية التي عرضت عليهن بواسطة برنامج (حافز) لعدة أسباب منها: عدم وجود أسواق ومراكز تجارية مخصصة للنساء فقط، بالإضافة لعمل كثير من النساء بمحلات فردية لا تحتوى على دورات مياه ومصليات تخص المرأة، ما يصعب المهمة عليهن كثيرا لأن المرأة تقضي ساعات طويلة في العمل ولها حاجاتها الخاصة التي تريد قضاءها، وكذلك تود تأدية فروضها اليومية، فضلا عن طول ساعات العمل وتقسيمها على فترتين، كما أن هناك شروطا تعجزية -حسب قولهن- يفرضها أصحاب المحلات لإبعاد الموظفة وإزعاجها المتواصل بشتى الطرق سواء بصورة مباشرة أو عبر الإيعاز للزبائن بذلك أو موظفي المحلات المشتركة، ونوهن إلى أن بعض المعارض التجارية تجبر الموظفات على كشف الوجه ووضع مساحيق التجميل ولبس الطرح والبالطوهات الملونة الخاصة بهن لجذب الزبائن وهذا ما يرفضنه جملة وتفصيلا ويفضلن البقاء دون عمل على كشف وجوههن في المحلات التجارية. من جهتها وعدت وزارة العمل خلال عدة تصريحات سابقة على لسان ممثليها بمعالجة بعض الإشكاليات التي تخص المراكز متعددة الأقسام، سواء بعمل الفتيات بها أو السماح بدخول العائلات أو النساء فقط، بإعداد تعليمات واضحة لتصحيح الأوضاع بتلك المراكز، منعا للاجتهادات في التطبيق من قبل أصحاب الأنشطة التجارية، مؤكدين على أصحاب المحلات بعد توظيف الذكور نهائيا في محلات التجميل وبيع الملابس الداخلية النسائية، وان تشغل الفتيات السعوديات جميع الوظائف المحلات، بالإضافة إلى تخصيص الدخول للعائلات أو للنساء فقط، على أن يتم تعديل وضع المحل من قبل مالكه بما يحجب رؤية ما بداخله إذا كان مخصصا للنساء فقط، ويمنع الرجال من دخوله. كما وضعت الوزارة وصندوق تنمية الموارد البشرية استراتيجية لمواجهة تحديات عمل المرأة من خلال استعراض التحديات التي تواجه مشاركة المرأة في التنمية الوطنية مع المهتمين بعمل المرأة وخلق آليات للتواصل، بهدف إيجاد حلول واقعية لإتاحة فرص أوسع لعمل المرأة بما يتناسب مع الضوابط الشرعية، واعتبار أهمية إيجاد التوازن المناسب بين بيت المرأة وعملها وزيادة حجم مشاركة المرأة في شتى قطاعات العمل بتهيئة المناخ المناسب للمرأة العاملة من خلال سن الأنظمة واللوائح التي تساعدها على القيام بدورها التنموي، وخلق وتطوير فرص التوظيف في منشآت القطاع الخاص الذي تعمل به المرأة حاليا مثل الصحة، التعليم، مراكز التجميل، التدريب، الصناعة، بالإضافة إلى وضع آليات مقننة للعمل من المنزل والعمل عن بعد، والتنسيق مع الوزارات المختلفة لتذليل أي تحديات تواجه توظيف المرأة أو استثماراتها، وفي ضوء ذلك عقدت الوزارة عدة ورش عمل مع مسؤولي القطاع الخاص من شركات ومصانع خلال الفترة الماضية لاستعراض الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزارء والقرارات الوزارية ذات العلاقة بعمل المرأة، والاشتراطات الواجب مراعاتها في توظيف النساء وآليات توظيفهن، بالاضافة إلى بحث المتطلبات الأساسية لتنفيذ الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء، من حيث تكثيف الجهود بين مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص وزيادة التعاون للحد من البطالة النسائية وأهمية اعتبار المسؤولية الاجتماعية والوطنية وضرورة تحمل كل طرف مسؤولياته. خطط وزارية وضعت وزارة العمل خطتين؛ الأولى قصيرة المدى والأخرى طويلة المدى لزيادة مشاركة المرأة في القطاع الخاص، شركات ومصانع وآليات دعم التدريب والتأهيل والتوظيف، مؤكدة الدور المهم لصندوق تنمية الموارد البشرية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في تحقيق ذلك.