كتب السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، مقالا آخر في صحيفة نيويورك تايمز يهاجم فيه السعودية، المقال الأول كان في العاشر من يناير من العام الجاري، وكان توقيته بعد قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران، على إثر اعتداءات عناصر من الباسيج على مقر السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، وهو الاعتداء الذي تلا إعدام السعودية ل 47 إرهابيا، والغضب تحديدا من إعدام نمر النمر. المقال الأول بعنوان «Saudi Arabia's Reckless Extremism» أي التطرف السعودي الطائش أو المتهور، وكان محاولة للتقليل من أثر قطع العلاقات أو تخفيض مستواها بين عدة دول عربية وإيران، والانتقادات الواسعة ضد الاعتداء على سفارة المملكة في إيران وعدم احترام معاهدة فيينا، عبر ربط السعودية بالإرهاب السني على طريقة «رمتني بدائها وانسلت»، وتجنبا للإطالة فقد رددت عليه بمقال نشر في صحيفة عكاظ بعنوان «لسنا ملائكة ولكنكم الشياطين» وذلك في 15 يناير الماضي. وفي 13 سبتمبر الجاري عاد محمد جواد ظريف لكتابة مقال آخر بعنوان «دعونا نخلص العالم من الوهابية»، والتوقيت لا يخطئه أحد حيث يأتي بعد يومين من 11 سبتمبر، لكنه يأتي أيضاً بعد حج مميز على كافة المستويات، نجح دون أن يحضر إيرانيو الداخل الذين منعهم النظام الإيراني من الحضور، بعد رفض النظام الإيراني التوقيع على اتفاقية الحج التي توقع عليها سائر الدول، وإصرار إيران على تسييس الحج وإجراء مظاهرات خلال المناسك. هذا بالإضافة إلى ظهور نتائج تحقيق وزارة الداخلية حول حادثة تدافع منى في العام الماضي، والتي كانت بسبب سير الحجاج الإيرانيين عكس الاتجاه المحدد لهم مما سبب تزاحما واختناقات، وكانت التغطية التلفزيونية السعودية تظهر لساعات طويلة شوارع منى هذا العام، وتبين موقع التدافع والذي يسير به الحجاج حسب النظام دون أية صعاب. يأتي توقيت مقال ظريف محاولة لاستغلال أجواء إقرار الكونجرس لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف ب«جاستا»، والذي يسمح لأسر ضحايا 9/11 بمقاضاة الدول، صحيح أن الكثيرين يعتقدون أنه مفصل على قياس السعودية، لكن في النهاية كل دولة قد تتعرض للمحاسبة، خصوصا إيران التي قضت محكمة في مدينة نيويوركالأمريكية الجمعة بتغريم إيران 10.7 مليارات دولار بدعوى تورطها في هجمات 11 سبتمبر، وذلك في مارس الماضي حيث قدم الادعاء أدلة على مساعدة طهران للإرهابيين الذين نفذوا الهجمات، وقد أكد القاضي على أن إيران فشلت في دفع هذه التهمة. ظريف اختار النيويورك تايمز في المرتين، لربطها بوجدان نيويورك تحديدا وتكريس مسؤولية السعودية في اللاوعي عند سكان نيويورك، ثم أورد في مقاله أن المتطرفين -والذي يربطهم بالسعودية- يقتلون المسيحيين واليهود الأيزديين والشيعة، وهذه تهمة لا تستحق الرد عليها ويكفي قراءة الدستور الإيراني الإقصائي، والذي ينكر حق كثير من الطوائف والإثنيات، ناهيك عن الممارسات القمعية اليومية ضد الأكراد وعرب الأحواز. المقال في جله لا جديد فيه، فهي حملة دبلوماسية لإنعاش ما فشل في تحقيقه الاتفاق النووي، والذي بشر أوباما بأنه سيعيد إيران كدولة طبيعية تحترم القانون، ومر عام وقد أصبحت إيران تشارك في القتل بسوريا عبر عناصر الحرس الثوري، بعد فشل الميليشيات منفردة في إنقاذ بشار الأسد، وهو ما يتم أيضا في العراق واليمن، عدا عن الممارسات العبثية ضد القطع الأمريكية في الخليج العربي والتي زادت في النصف الأول من العام الحالي، عن الفترة نفسها من 2015 أي أنها زادت بعد الاتفاق النووي. ظريف لم يستوعب أن شيطنة السعودية قد تكون لعبة مناسبة لدى أذناب إيران في المنطقة، باعتبار التنافس الموجود بين الرياضوطهران، لكن الجمهور الأمريكي لن يفترض أن شيطنة المملكة هي تأكيد على أن إيران حمامة سلام. بعد سيل التهم ختم ظريف مقاله برغبة بلاده العودة للتعاون مع المملكة، على طريقة عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجه، حين قال «وحشه بس هشربها»، وهو ما يبدو انسجاما مع ما ذكره أوباما في عقيدته التي نشرها في مجلة الأتلنتك، حين قال إن السعودية وإيران يجب أن يتعلما تقاسم النفوذ في المنطقة، وربما رغبة من ظريف في وساطة أمريكية من أوباما في أسابيعه الأخيرة، أملا أن يوصي أوباما بأن يمنح ظريف جائزة نوبل وكلاهما لا يستحقها.