اليوم، أول أيام عيد الأضحى المبارك، فكل عام وأنتم بخير. حين كنا صغارا، كنا ننتظر قدوم العيد بشغف يذوب معه صبرنا على الانتظار، فنأخذ في تكرار السؤال الضجر مرة بعد أخرى: متى يجي العيد؟! طول العيد ما جاء؟! كان العيد بالنسبة لنا موسم فرح وبهجة، في تلك السن الصغيرة ما كان ليخطر ببالنا أن بهجة العيد لا تنبع منه وأنها رهينة ما حولنا من المعطيات. يشرق صباح العيد على المسلمين كلهم في مشارق الأرض ومغاربها، لكنه مع ذلك لا يشرق عليهم بالوجه نفسه، فالعيد لا يصافح أعين الناس جميعهم بوجه واحد، وإنما يطل عليهم بالوجه الذي يتفق مع ما يحيط بهم من أوضاع وما تعكسه مرايا نفوسهم المنتصبة داخل أعماقهم. يطل العيد على الحجاج في منى فيرون منه وجها يضيء بالرضا والطمأنينة والغبطة، أن من الله عليهم بأداء الفريضة، ووفقهم إلى طاعته وعبادته. ويطل العيد على المرابطين على حدود بلادهم يحرسونها من أن تمتد إليها يد البغي، فيرون من العيد وجها يغمره الفخر والعزة أن وفقهم الله إلى أشرف عمل، حماية بيته والذب عن مقدساته. ويطل العيد على الطغاة والبغاة والظالمين، فيرون من العيد وجها جاذبا يغريهم بإقامة مزيد من طقوس القتل الجماعي وسفك دماء الأبرياء. ويطل العيد على المعذبين في الأرض سواء الواقعين تحت لهيب نيران الطغيان أو الفارين منها من اللاجئين، فيرون من العيد وجها أذله القهر والهلع وأنهكه الشقاء والتعاسة. ويطل العيد على الأطفال اليتامى ممن قتلت يد الإجرام آباءهم، وهدمت بيوتهم، وروعت أمنهم، وتركتهم يرتعدون رعبا وجوعا وشقاء، فيرون من العيد وجها أغرقته الدموع وأظلمه الحزن. ما أكثر تعدد وجوه العيد، وما أشد التباين بين تعابيرها، ثمة أحزان وآلام، وأفراح وأمانٍ، وتوجسات ومطامع، ونحن وسط ذلك كله لا نملك سوى أن نتمنى لبعضنا بعضا عيدا يرينا وجهه المبارك، ويصرف عنا ما كان غير ذلك. [email protected]