تحولت إصلاحية جدة إلى منشأة حضارية مميزة تدار بتقنية وكاميرات دقيقة لا تفوت أية حركة بداخلها، لتضاهي مثيلاتها في أمريكا بالشكل والمحتوى ذاته، غير أنها تتميز عنها ببرامج تراعي توفير العناية الدينية والصحية والنفسية والاجتماعية والمادية لكل نزيل. ولم يكن التحول في السجون داخل المملكة ينحصر في التصاميم النموذجية، بل تعداها إلى المعايير العالمية من منظمة الإصلاحيات الأمريكية، إذ تم تطبيق ثلاثة أنظمة لحركة النزلاء بداخلها، هي: النظام المفتوح، والمغلق، وشبه المغلق، إذ تطبق أغلب دول العالم لديها النظام المغلق، فيما أتاحت إدارة السجون في المملكة حرية التنقل للنزلاء بعد الموافقة على منح السجناء الثقة في الحركة والتنقل داخل نطاق المدن الإصلاحية في بيئة صحية مميزة. «عكاظ» زارت إحدى الإصلاحيات الحديثة في جدة، فكانت بداية الدخول برفقة فريق أمني مرافق تطلبت المرور على أقسام التفتيش والتدقيق والتي تعد منفذ العبور إلى داخل الإصلاحية، غير أنها لم تكن الأخيرة بعد توقفنا مرة أخرى للتفتيش المخصص للمركبات. وعقب إنهاء الإجراءات كافة في التفتيش وتسليم أجهزة الجوال المحظور دخولها إلى وحدات السجن والتي يبلغ عددها 20 وحدة سجنية، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لكل وحدة 124 سجينا، اتضح أن كل وحدة تحتوي على غرفة خاصة للمراقبة تتابع أدق تفاصيلها وحركة السجناء من طريق كاميرات مراقبة تلفزيونية. ويوجد في كل وحدة صالة للتشميس، وصالة جلوس مركزية كبرى مزودة بشاشات تلفزيون لمتابعة الأخبار والمباريات، وصالة طعام تتضمن مطبخا لتوزيع الوجبات وحفظ المشروبات الباردة، إضافة إلى مصلى تتوافر به مكتبة تحتوي على كتب عدة، ومغسلة ملابس خاصة بالوحدة وحلاق يعمل به النزلاء لمن يرغب ويتقاضى مبالغ مادية عبارة عن رواتب. فيما قسمت الوحدات السجنية إلى نوعين: المخصص لكبار السن وتقع في الدور الأرضي وتحتوي على سريرين فقط، فيما تحتوي الغرف الأخرى على ستة كراسي للنزلاء، وموجود في كل وحدة صالة رياضية خاصة للمتميزين، ومشرف اجتماعي، ومشرف نفسي، ومرشد ديني، وطبيب، إضافة إلى ملاعب لكرة القدم والطائرة والسلة. عقب ذلك، انتقلنا إلى مبنى الوحدة الصحية ورصدنا توافد النزلاء إليها للعلاج وسط تواجد أمني وطبي، إذ توزعت العيادات التخصصية فيما يتم تحويل الحالات التي تحتاج إلى تدخل جراحي أو عناية طبية وتنويم إلى المستشفيات الحكومية بمحافظة جدة. وفي موقع مجاور، كانت هناك مباني الزيارة العائلية وهو ما يعرف بالمبنى العائلي، ويحتوي على أجنحة توفر الخصوصية للنزيل وأسرته، ويتضمن صالة للجلوس وغرفة نوم ومطبخا مصغرا ودورة مياه، ويستخدم لليوم العائلي، إذ يقضي النزيل مع أسرته يوما عائليا كاملا يهدف إلى تحقيق الاستقرار النفسي والأسري لهم؛ ليكون أكثر استجابة للبرامج التأهيلية والإصلاحية وحتى لا ينقطع النزيل عن أبنائه وحياتهم ويصطدم بهم عند خروجه. فيما كان مبنى الزيارة الاعتيادي مهيأ لاستقبال الزوار، ويفصل بين النزيل وزائريه زجاج مقاوم للرصاص ويتم التواصل من طريق الهاتف، يمكن النزيل أو الزائر من التحدث بسهولة ووضوح. يذكر أن مبنى الإصلاحية الحديثة في جدة يأتي ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين للبنية التحتية لقطاعات وزارة الداخلية، والذي يتضمن إنشاء سبع إصلاحيات، نفذت منها أربع إصلاحيات في كل من الرياضوجدة والطائف والدمام، وذلك بمتابعة من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وإشراف مدير عام السجون اللواء إبراهيم الحمزي. البلوت و«الكونكان» صديقان في العنابر! لا تخلو الحياة اليومية للنزلاء من لعبتي البلوت والكونكان، اللتين تعدان اللعبتين المفضلتين للكثيرين، حتى أنهم يصفونهما حسب (محمد. أ) و(خالد. ع) بالصديقين داخل وحدات السجن. مؤكدين أنه دونهما لا يكتمل اليوم، حيث تشهدان تحديا كبيرا بين النزلاء ممن يجيدون لعبهما، وينقسم البقية ما بين الفريقين كل يشجع بطريقته. ورغم الحراك والتشجيع حول اللعبتين إلا أنه ما إن تحل الساعة ال11 مساء إلا وتتوقف الأصوات داخل عنابر إصلاحية جدة، بعدما يتجه النزلاء كافة للنوم حتى صلاة الفجر وهي الساعة التي تدب فيها الحياة مجددا معلنة بدء يوم جديد داخل أحدث السجون السعودية والتي تتسع لأكثر من سبعة آلاف نزيل.