من الواجب عليك أن تفكر مليا قبل أن تشرع في الكتابة عن الأديب اللبناني الكبير أمين معلوف أن تنتقي الكلمة التي ستستخدم في حقّه بمغالاة تستحق ، ومن خلال ماأكتب هنا أستطيع أن أعترف جازمة أن أمين معلوف وحده في هذا الشرق يمكن أن يكون المُلهم الأول في عالم الكتابة الأدبية الراقية هو كان ومازال بليغا في عالم الرواية متمكّنا من سبر أغوار اللّغة العربية بشكلها السّهل الممتنع في أوقات كثيرة ، بعد أن قرأت لأمين معلوف لم أعد أرضى بأقل من هذا النوع من الأقلام إذ أنك معه تنضج حتى في اختيار ماتقرأ لايمكن ببساطة أن يعود شخصك هو ذاته ذاك بين رفوف المكتبة و يمكن أن تجد نفسك ببساطة أخرى تُعيد قراءته لأكثر من مرة وفي كل مرة تشعر بذات الدّهشة التي سرت بك لأول مرة . «القرن الأول بعد بياترس» عمل روائي فريد لأمين معلوف ابتدأت معه بالتعرف على أمين كروائي ولم يخيب ظني بهكذا قامة شامخة تعرف من أين تبتدىء عملها وكيف تنهيه ، لي أن أعزّي نفسي بالقرن الأول بعد بياترس حاملا لي هذا الواقع الممزق الذي نعيش بكامل صوره واضعا نهاية غير واضحة للقرن العشرين الذي نعيش عالقا بين عقلية الماضي وسوء فهم الحاضر كما يجب وكماهو عليه . «سمرقند» هو عمل أقل مايمكن عنه بأنه كمقطوعة موسيقية عريقة متكاملة لايشوبها شيء ، وصفت صحيفة ذي اندبندنت هذا العمل (أكثر من مجرد رواية تاريخية فهو كتطريز سجادة شرقية ينسج ذهابا وإيابا عبر القرون، رابطا فيه الشعر بالفلسفة وشغف الصوفي مع الحداثة ) تدور أحداث الراوية في بلاد فارس وآسيا تبدأ معها كقارئ بالسّفر عبر رحلة شيّقة مع رباعيات عمر الخيام ( الجنة والنار هما في ذات نفسك ) . « اختلال العالم» اقتباس ( بوسعي أن أشهد بأن الطائفية لا تشجع تفتّح الديمقراطية إطلاقا ! فالطائفية إنكار لفكرة المواطنة بالذات، ولا يمكن بناء نظام سياسي متمدّن على أساس كهذا ، وإذا كان بالأمر الجوهري أن تؤخذ في الحسبان مختلف مكونات أمة ما فينبغي أن يكون ذلك بصورة حاذقة، مرنة، ومضمرة كي يتاح لكل مواطن أن يشعر بأن له من يمثله، فمن الوخيم بالقدر ذاته، وحتى من المدمر، أن يُقام نظام محاصصة يقسم الأمة بصورة مديدة إلى عشائر متخاصمة (يرثينا معلوف هنا وكأنه ينكأ الجرح أكثر يأسف على هذا التشرذم وكل هذا الانقسام الذي نخوض من خلاله تفاصيل عيشنا ، عيشنا البعيد كل البعد عن معنى المشاركة والمحبة والسّلام مابين أبناء وطن واحد . اقتباس ثان في نفس الكتاب يقول ( ينقل عن النبي قوله : خير الناس أنفعهم للناس، هذا شعار سام ينبغي له اليوم أن يثير أسئلة مؤلمة عند الأفراد والقادة والشعوب ، ماذا نجلب الآن للآخرين ولنا نحن ! بأي شيء نحن نافعون للناس ؟ هل هناك من مرشد لنا غير اليأس الانتحاري الذي هو أدهى من الكفر ) . الحروب الصليبية كما رآها العرب – ليون الأفريقي – الحُب عن بعد - الأم أدريانا هي أعمال مميزة أخرى لأمين معلوف صاحب جائزة الصداقة الفرنسية العربية عن عمل ليون الإفريقي وجوائز عدّة عن عدة أعمال مُدهشة وقد لاأعطيها حقّها بالوصف كما يجب . كما يشاع كتبت جريدة « لوموند» الفرنسية في افتتاحيتها : إن الأدب الفرنسي كان في طريقه للموت لولا اثنان: فرنسوا ميتران وأمين معلوف! أؤمن بأن المسؤولية كبيرة على المثقف العربي عندما يكتب بلغة مختلفة عن لغته الأم أن يقرأ ممن يعيش من على الضّفة الأخرى الأدب من خلاله أن يعرّف الآخر على حضارة الشرّق بأسلوب أصيل وعال كما فعل أمين معلوف لهو عمل شاق وممتع في نفس الوقت كأن يبني وحده هذا الجسر بكل هذه البنيوية الخالصة بين الشرق والغرب . وفي خضم الحديث عن الجائزة و كمؤسسات ثقافية عربية لم يكرّم أمين معلوف بما يليق ككاتب كبير حظيت به الكلمة وحظينا به مثقفا عربيا مخضرما خالدا في فضاء الأبجدية.