إذا كانت أول دراسة عن مشكلة ارتفاع مستوى المياه الجوفية في جدة وما تشكله من خطر على بنيتها التحتية قد ظهرت سنة 1985 فهذا يعني أن ما يزيد على الثلاثين عاما مرت على اكتشاف المشكلة التي باتت تعاني منها أحياء مدينة جدة ولم يستطع المسؤولون عن أمانتها أن يضعوا حلا كليا أو حتى حلولا جزئية تضع حدا لهذه المأساة، التي لم تفد معها محاولات ترقيع الفتق فبقيت تتنقل كالوباء من حي إلى حي، وتضاعفت بتضاعف عدد سكان وزيادة مساحتها أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل ثلاثين عاما. لم يكن المسؤولون عن أمانة جدة يجهلون تلك الكارثة التي كانوا يرونها تستفحل أمام أعينهم ولم تكن الدراسة العلمية التي تناولتها آن ذاك بعيدة عن متناول أيديهم، وحين كانت جدة تتمدد وتتسع كان كل حي فيها يرث نفس المشكلة حين تسمح الأمانة ببيع مخططاته وإقامة العمران فيه دون تصريف لمياه الصرف الصحي أو اعتبار لارتفاع منسوب المياه الجوفية فيه. والمسألة لا تتوقف عن سوء التخطيط الذي تتكشف عنه الأحياء التي نشأت دون بنية تحتية تحميها مما تعرضت له أحياء سبقتها، كما أنها لا تتوقف عند عدم مراعاة الأولويات في تنفيذ المشاريع التي تحتاجها مدينة جدة تلك المدينة التي تتآكل من الداخل بينما تهتم الأمانة بوضع مساحيق التجميل في شواطئها وميادينها العامة، المسألة لا تتوقف عند هذه وتلك وإنما في الإهمال الذي لا تخطئه العين والذي يمكن أخذ ما حدث ويحدث في حي طيبة (حي الرحيلي شمال جدة) حيث تم حفر حفريات كبيرة وعميقة جدا في شارعه الرئيس منذ خمس سنوات، ووضعت بعض التمديدات لتصريف المياه الجوفية عند تجمعها في تلك الحفر، ومنذ سنتين توقف العمل في ذلك المشروع دون أن يستكمل وتآكلت أنابيب التصريف وتعرض كثير منها للتكسير وبقيت الحفر وحدها شاهدا على سوء ما حدث ويحدث، وبقي سكان الحي يقلبون أيديهم حيرة وهم يرون المستنقعات تحيط بمنازلهم والمياه تنبع من تحت بلاط بيوتهم متسائلين عما يمكن أن يحدث قبل الآخر: تصدع منازلهم على رؤوسهم أو إدراك الأمانة للخطر المحدق بهم ووضع حل مؤقت أو دائم لهذا الخطر قبل أن يجيء اليوم الذي يقول فيه الناس: هنا كان حي اسمه طيبة غرق وتشتت سكانه. [email protected]