وحدها وايتات الصرف الصحي الصفراء التي يمكنها أن ترفع سوءات سكان الأحياء العشوائية. عشرات السيارات تجوب تلك الأحياء شاغرة أو ممتلئة، في حين تزكم الروائح الأنوف؛ ما يتسرب بين جنباتها، ولا رقابة ولا اعتراض من أحد، فالمهم رفع أكبر قدر من المخلفات، خاصة أن الأحياء الشعبية اعتادت الغوص في بقع المستنقعات ليل نهار، حتى أنابيب المجاري استباحت الشوارع، وأفرغت نصف محتوياتها على قارعة الطريق قبل أن تصل إلى جوف الخزانات الأرضية. وحدها الأمانة هي التي تستطيع حسم الأمر، ومع ذلك فجرت الموقف، بالبيان التالي: «الممنوع ممنوع، ولا مجال للاعتذار، والرقابة أسفرت عن ضبط لصوص يعملون في الخفاء، لإخفاء سوءات غيرهم وسوءاتهم في الأنابيب النظامية المخصصة لتصريف الأمطار والسيول؛ ما يعرضها للانسداد، لا مجال للتهاون، ولا تراجع عن العقوبات». انتهى البيان، لكن لم تنته المعاناة، هناك في الأحياء الشعبية لا يعرفون إلا السرقات، المياه يسرقونها من دورات مياه المساجد؛ لأن عمل الخير لا يتوقف، في حين عمل الخير من الأمانة لضخ المياه يتوقف لأسابيع طويلة. الأسفلت يسرقونه من الشوارع الأمامية، لعلهم يسترون به أوجاع وسوءة الشوارع الخلفية. الأنابيب يسرقونها من وصلات عمومية، لتصريف الأمطار والسيول، لأنهم لا يعرفون معنى إصحاح بيئي بلا أنابيب صرف صحي تخترق هدوء الأحياء، وتهز الشوارع الميتة، لتواري السوءة، دون أن يشعر بها أحد. لكنهم كما يدعون: «اعتدنا السرقات لنحيا، ونعرف أن الخطأ لا يمكن إنكاره، لكن عن أي خطأ تتحدث الأمانة؟ صحيح أن التجاوز غير مطلوب، لكن الأصح أن الصرف الصحي لا يحتمل تأخيرا، فإلى متى تستمر وايتات الصرف الصحي تتجرأ على غزو أحيائنا، والأمانة تفتخر بضبط من تجرؤوا على أنابيب التصريف؟». الأمانة تعترف أن الحفر الجنوبية في الأحياء الطرفية تقلقهم، فيضعون لها الخطط لترقيعها مرات ومرات، لكن من أين ينفجر الأسفلت؟ حسب اعترافات أمين جدة المهندس عادل بن محمد فقيه، في تصريحات سابقة، فإن: «هناك مشكلات ستظل قائمة متى ما ظلت هذه الوايتات، ووجود مياه الصرف الصحي وطفحها بشكل دائم يعد هاجسا لدى الأمانة، ويؤدي دائما إلى حدوث هبوطات وحفر تسعى الأمانة إلى ردمها بشكل مستمر». مشكلة أزلية وأشار أمين جدة إلى أن معظم الأحياء السكنية في مدينة جدة ذات مستويات منخفضة: «التسرب من شبكة توزيع المياه وشبكة الصرف الصحي وناقلات مياه الشرب، أدى إلى رفع مستويات المياه الجوفية في معظم أجزاء المدينة، وهو ما أدى إلى تشكل بعض البرك السطحية وإلحاق ضرر بالبنية التحتية والأسفلت مكونة هذه الحفر، وقد ساهمت الأمانة في حل المشكلة بإنشاء شبكة تخفيض منسوب المياه الجوفية، وهناك عدة مشاريع قامت بطرحها خلال الفترة الماضية لتخفيض منسوب المياه الجوفية، كما تكثف الرقابة على المخالفين بإيصال وصلات غير نظامية لمياه الصرف الصحي من المنازل إلى خطوط شبكة تصريف مياه الأمطار والسيول». مخالفة مقصودة لكن الأهالي كما يبدو ضاقوا ذرعا بهذه الوعود وتلك الاعترافات؛ ما استدعى بعضهم إلى التورط في مخالفات لعل آخرها ما كشفه وكيل أمين جدة للتعمير والمشاريع علوي سميط، الذي قال: إن الأمانة كشفت عن 250 وصلة صرف صحي، مددها الأهالي وأوصلوها مع شبكات تصريف الأمطار والسيول: «هذه التوصيلات العشوائية يمكنها أن تتسبب في حدوث أضرار جسيمة، ولدينا قرار وزاري قد صدر بشأن تطبيق لائحة المخالفات والغرامات لمرافق المياه والصرف الصحي والسيول، تتراوح بين ألفي ريال و50 ألف ريال، وفق نظام حماية المرافق العامة». حلول مخالفة عدد من سكان الأحياء برروا هذه المخالفات بمحاولة التخلص من مياه الصرف الصحي؛ لأن شبكات التصريف تعمل بشكل عملي وتسهم في تسريع عملية تصريف المياه، مبدين استياءهم من طول الانتظار واستمرار تضررهم من غياب شبكات الصرف الصحي، حسب تأكيدات علي الطويرقي من سكان حي الوزيرية: «هناك طفح لمياه الصرف الصحي نتيجة سوء التصريف وعدم وجود شبكات مهيأة لعمليات تصريف مياه الصرف الصحي، وذلك لتقلل من عمليات الطفح، أما عن مخالفة السكان بتركيب وصلات صرف صحي مع شبكات تصريف مياه السيول، فبعض المخالفين منهم قد تكون هذه حيلته الوحيدة في التخلص من سلبيات طفح المياه في منزله، فهم فقراء ومعوزون». جهل الأهالي ويرى عبدالعزيز الغامدي، من سكان جنوبجدة، أن المشكلة وليدة مشكلات أخرى: «ربما العمال هم الذين قاموا بذلك، فلا يعرف عدد من الأهالي طريقة توصيل المياه أو إيصالها بشبكات تصريف الصرف الصحي نهائيا، ولكن بعض الشركات قد عمدت إلى ذلك وهما منها أنها قد تحل المشكلة وهم لا يعلمون أنهم يعقدون المسألة». مصالح خفية ويعترف بندر المالكي، من سكان حي التوفيق، أن بعض الأشخاص من ضعاف النفوس قاموا بتركيب وصلات الصرف الصحي مع شبكات تصريف المياه من خلال عمل خفي: «يلجؤون إلى ذلك للتوفير على أنفسهم وعدم عمل بيارة للصرف الصحي في مواقع منازلهم، إضافة إلى عدم البحث عن صهاريج لسحب مياه الصرف الصحي من منازلهم، وهذه مخالفة وتحدٍّ واضح للأنظمة، وضبط الأمانة لهم تم من خلال رقابة وعمل مكثف، وأعتقد أن وجود غرامة بهذا الشأن تتراوح بين ألفي ريال و50 ألفا من شأنها أن توقف العبث والتورط في مثل هذه المخالفات التي تنعكس سلبا على البيئة وعلى السكان ولها آثار مستقبلية سلبية جدا، ولكن!». فتح المالكي جرح الألم في الحي الذي لا يعرف إلا نزيف البيارات: «فلتعاقب الأمانة المخالفين، لكن قبل ذلك فلتبلغنا متى تعاقب المستهترين الذين تأخروا في تنفيذ مشروع الصرف الصحي في جدة؟». عمل في الخفاء وأوضح عدد من الأهالي أن الشركات عادة ما تتهرب من توصيل تلك الوصلات التي تم اكتشافها: «الذي يقوم بعمليات توصيل وصلات الصرف الصحي هم من العمال الذين يتم جلبهم عن طريق المحال والمواقع المختلفة والذين لديهم خبرة، وتركيب الوصلات عمل شاق، ويحتاج إلى فريق عمل، فهم عادة ما يستعينون بعمال آخرين للحفر والتركيب، وكذلك ردم الموقع بعد الانتهاء من المهمة». وحسب عبدالرزاق، عامل في محل بحي قويزة: «شاهدت عمالا يقومون بالعملية، وكانوا يؤدون عملهم مساء وعلى كشافات ضوئية قرب أحد المواقع الآهلة بالسكان، وكانوا يوصلون وصلات للصرف الصحي بشبكات لتصريف مياه السيول والأمطار». في حين نفى عدد من شركات الصيانة العمل في مجال تركيب وصلات صرف صحي مع شبكات تصريف المياه لمخالفة ذلك للأنظمة: «لا علاقة للشركات بمثل هذه الاختراقات، بل يقوم بذلك العمالة المخالفة التي يستعين بهم أصحاب المنازل في تركيب وصلات الصرف مع شبكات تصريف المياه». قطع الخدمات واعتبر مدير المركز الإعلامي في أمانة جدة أحمد الغامدي أن ضبط الأشخاص المخالفين جاء بعد جهد وعمل: «تم عن طريق مراقبين من الأمانة يعملون على مدار الساعة من أجل متابعة عمل شبكات تصريف المياه وآلية عملها، واكتشفوا من خلال عملهم أن هناك أشخاصا قاموا بتوصيل وصلات صرف صحي مع شبكات تصريف السيول، وقامت الأمانة بتسجيل عدادات المياه والكهرباء الخاصة للمنازل التي ضبطت المخالفة على مقربة منها، ومن ثم تمت مخاطبة شركة المياه والكهرباء، وفصل التيار الكهربائي والمياه عن هؤلاء المخالفين، وتمت مراجعتهم للأمانة، ومن خلال ذلك تم تسجيل مخالفتهم وتغريمهم وفق النظام المعمول به من قبل الجهات العليا والذي يقضي بغرامات مالية متفاوتة حسب المخالفة تبدأ من ألفي ريال وتصل إلى 50 ألف ريال». البحث متواصل وبين أن العمل جار للكشف عن أي وصلات جديدة مخالفة: «هؤلاء الأشخاص يقومون بأعمالهم في الخفاء ووسط حذر شديد؛ لأن ما يقومون به مخالفة واضحة وعلنية للنظام ومخالفة للإصحاح البيئي، الأمانة مهتمة بهذا الشأن لما له من آثار سلبية على البيئة وعلى السكان، مصالح الأشخاص الذين تم ضبطهم تتمحور حول عدم تكليف أنفسهم بحفر وتركيب بيارة للصرف الصحي، إضافة إلى التهرب من البحث عن وايتات صرف صحي ودفع التكاليف، الأمانة تشدد على هذا الجانب لما له من آثار سلبية وخيمة على البيئة، لذا كثفت ولا تزال- خلال الفترة الأخيرة- متابعة العمل ومراقبة وصلات تركيب شبكات تصريف السيول، وهناك تنسيق ما بين أمانة جدة وشركة المياه الوطنية حول تركيب شبكات الصرف الصحي من حيث المواقع وتتولى المياه تركيبها، كما أن هناك مشاريع متعددة في هذا الجانب من شأنها وقف التعدي على تلك الشبكات ومحاسبة كل من يخالف النظام»