طالعتنا الصحف بخبر جميل عن سيدة سعودية من الرياض تدعى مريم السبيعي قامت بافتتاح مشروع لتصليح الموبايلات وأجهزة الاتصال وأصلحت 48 ألف جهاز جوال وحاسب آلي بكفاءة ونجاح. وتوسع مشروعها الصغير الذي بدأ في 2014 بسرعة وقوة فأنشأت مركز صيانة نسائيا تعمل فيه سيدات سعوديات. وهذه السيدة تستحق الاحترام لأسباب كثيرة. فأولا هي خريجة كلية التربية الفنية أساسا، ولكن هذا لم يمنعها من اتباع النداء الذي استهواها وهو المجال التكنولوجي. وتغيير مسار الإنسان ليس سهلا فمن الأسهل الاستمرار في نفس الطريق والبحث عن وظيفة تقليدية براتب شهري وتقاعد. وهذا هو الطريق الأقل تحديا والذي تسلكه الغالبية. ولكن شبح البطالة الذي يزحف بثبات عالميا يبرهن أن المستقبل لمن يفكرون خارج العلب الضيقة. فهذه السيدة مثلا لم تشك من ندرة الوظائف، بل بحثت عن نقاط قوة لها خارج دراستها ووجدت ضالتها في التكنولوجيا، وعملت على تطوير نفسها بالبدء التدريجي بصيانة أجهزة الجوال والحاسوب وانضمت لمعاهد لتصقل هوايتها وظلت تتابع الإنترنت لتتعرف على المستجدات العالمية في المجال التكنولوجي الذي استهواها. وما حققته في عام واحد يدعو للفخر فقد صرحت بأنها تستقبل يوميا أحيانا أكثر من مائة جوال. والعامل الثاني الذي يجعلني أشعر بالفخر حين قراءة قصة هذه المرأه هو قدرتها كفرد على الاستثمار في مشروع استطاع توظيف كوادر نسائية وطنية أي أنها لم تقض فقط على مشكلة فراغها وتؤمن لنفسها وسيلة رزق، وإنما ساهمت في خدمة الوطن بالمساهمة في مكافحة البطالة النسائية حتى ولو كان ذلك بعدد موظفات محدود، فلو استطاع كل مشروع صغير استقطاب الكوادر الوطنية لقلت نسبة البطالة المحلية. وأثر دعم القطاع الخاص للقطاع العام في المساهمة على القضاء على البطالة معروف ولا يمكن إنكاره. والسبب الثالث الذي تشكر عليه هو عدم خوفها من تحطيم القوالب النمطية للمرأة في مجتمع تقليدي محافظ يربط مهنة الصيانة التكنولوجية (أو غيرها من أنواع الصيانة) بالرجل عادة وقد يستنكر ذلك على المرأة وخاصة إن كان ذلك معلنا للعموم كمشروع لكسب الرزق. فهذه السيدة التي أسست مشروعا مؤسسيا تساهم في تغيير الفكر النمطي المحلي عن المرأة السعودية والذي يحصرها في أدوار تقليدية أو مهن محدودة (معلمة، طبيبة، الخ) ويثبت بأن المرأة السعودية يمكن أن تتفوق في مجالات مهنية يدوية وتكنولوجية دقيقة بل وتتفوق كمستثمرة ومديرة ومالكة لمشروع ينمو بثبات. والسبب الرابع الذي يبهج في قصة هذه المرأه هو أن مشروعها يخدم فكرة الخصوصية للمرأة السعودية – فمعروف أن من أكبر مسببات الضيق والقلق للمرأة في مجتمعنا حينما يتعطل جهازها، سواء أكان جوالا أم حاسوبا، أن تسلمه لمراكز صيانة يعمل بها رجال فتتعرض ملفاتها الشخصية وصورها لخطر اختراق الخصوصية. ووجود نساء يجعل السيدة تشعر بارتياح أكبر إذا ما فتحن ملفاتها ورأين مثلا صورتها بالخطأ أو غير ذلك. تمنيت حينما قرأت قصة هذه السيدة أن تكون لدينا معاهد فنية وتقنية للنساء – فليس الجميع من هواة الدراسات الأكاديمية البحتة، وفي أنحاء العالم نرى معاهد تقنية أو صناعية أو مهنية تستقطب البارعين في هذه المهارات والذين يميلون للحرف اليدوية والتطبيقية. لدي صديقة تعيش في إحدى الدول العربية الشقيقة وقالت لي بأنه بحكم سفر زوجها المستمر ومسؤوليتها وحدها عن المنزل فقد قررت التعامل مع طاقم نسائي في الصيانة فهي تشعر براحة أكبر حينما تتواجد في المنزل مع أطفالها وحيدة ويكون من يقوم بالصيانة امرأة مثلها وقد تعرفت على سيدة تعمل كهربائية وأخرى خبيرة بالكمبيوترات وتوصيلات التلفزيون وحتى أنها وجدت امرأة تعمل ميكانيكية سيارات وهذه قد ورثت جراج زوجها ولحاجتها لتربية الأبناء فقد أكملت مسيرته بنفسها. العمل الشريف ليش عيبا ويشرف الإنسان مهما كان – وإنما العيب في الكسل والتذمر والسلبية والانتقادات. وفي كل مجتمع وثقافة أي شيء خارج عن المألوف يكون معرضا للانتقادات أولا، ولكن الزمن يثبت بأن ما ينفع الناس سوف يبقى. وظروف الحياة الحديثة تفرض احتياجات جديدة وتخلق مجالات جديدة. أقول لهذه السعودية الناجحة أكثر الله من أمثالكن فأنتن لا تنفعن أنفسكن فقط بل أنتن رائدات للتغير الإيجابي ومثال لخدمة المجتمع ومحفز لتحريك عجلة الاقتصاد، فإلى الأمام سرن!