يروى أن رئيس إحدى المحميات في المملكة قد قام بأعداد كبسة شهية بلحم الغزال ووصلت القصة إلى سمو الأمير سعود الفيصل رحمه الله وكان حينها العضو المنتدب لهيئة الحياة الفطرية والذي طلب التحقيق في الحادثة باستخدام البحث الجنائي فتبين له أن القصة صحيحة ولكن تقرير التحقيق كان يشير بأن لحم الغزال كان قد أهدي له من أحد أصدقائه القادمين من السودان وبالتالي اكتفى الأمير بتوجيه إنذار له وأنه كان يجب عليه أن ينأى بنفسه عن الشبهات وكان الأمير حازما معه. ليس هذا فحسب، بل يقال إن أحد منسوبي القوات المسلحة دخل إحدى المحميات بسيارة «الجيمس» واصطاد غزلانا بسلاح الجيش فما كان من وزارة الدفاع عندما علمت بالحادث إلا أن قامت بتجريده من وظيفته وإنزال عقوبات عليه لمخالفة أنظمة المحمية. تذكرت هذه القصص وأنا أقرأ تصريحا لسمو الأمير بندر بن محمد رئيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية قبل بضعة أيام يشتكي فيه مر الشكوى من عدم وجود شرطة بيئية أو أمن بيئي وأن البلاد تفتقر لجهاز متخصص يطبق النظام على الجميع ويحد من وتيرة الصيد الجائر، رغم أنه لم يتبقى لا صيد جائر ولا عادل. وهذه القصص تثبت يوما بعد آخر بأن ما نسمعه وما نقرؤه وما يصور لنا من مقاطع تجسد حوادث الاعتداء الأليم على منظومة الحياة الفطرية المنقرضة وما تبقى من كائنات حية كالحصاني والضبان والطيور المهاجرة ليست هواية ارستقراطية مجردة، وإنما ثقافة عامة تتقاطع مع ثقافة القتل والتدمير والانتقام لكل ما هو كائن حي وهي ثقافة للأسف تسري في عروقنا. أتفق مع الأمير الذي ظل يطالب بذلك منذ 13 عاما دون جدوى رغم أنه كان يمكن الاستعانة بفرقة من إحدى الأجهزة العسكرية في البلاد والذي يتماثل دورها العسكري مع طبيعة الحماية لهذه المحميات فقط لتطبيق الأنظمة والحد من الانتهاكات البيئية ونظام الاحتطاب الجائر والتدمير المستمر للمراعي والغابات والثروة السمكية. في معظم دول العالم تقوم الفكرة على حد أدنى من القناعة المجتمعية بالحفاظ على مفردات ومكونات البيئة وعلى جهود منظمات المجتمع المدني والجمعيات المتخصصة والمتطوعين لبث وتعزيز هذه الثقافة والتي تعتبر حرسها الحقيقي قبل الحكومات لكن في المملكة لا ثقافة ولا جمعيات ولا شرطة ولا «حمية» وطنية !!