ربما ينظر إلى شبه الجزيرة العربية على أنها من أقل مناطق العالم في التنوع الفطري والطبيعي. فالصحارى الخالية تشكل أكثر من 90 % من مساحة الأرض، ولكن هذا لا يجعل من حماية الحياة الفطرية عبثا، بل إنه يجعلها أكثر أهمية، كون الكائنات الحية التي لا تزال تناضل من أجل العيش في هذه المنطقة، هي قليلة العدد من جانب، ومعرضة للانقراض من جوانب أخرى. وبذلك فإن المحافظة على ما تبقى من حيوانات وكائنات هو أمر غاية في الأهمية في سياق تدارك النظام البيئي ومحاولة إعادته إلى طبيعته القائمة قبل قرن من الزمان على الأقل. في الحوار التالي، يكشف الأمين العام للهيئة السعودية للحياة الفطرية الأمير بندر بن سعود آل سعود عن أعمال الهيئة في هذا الاتجاه، كما يوضح بعض التفاصيل حيال تطوير نظام الهيئة وخططها للمستقبل. تحدثتم في تصريحات سابقة عن بدء مشروع إعادة هيكلة شاملة للهيئة.. أين وصلت الشركة التي تعاقدتم معها لإتمام هذا المشروع في أعمالها.. وماذا تبقى؟ بدأت الشركة المراحل الأولى من الدراسة وجمع المعلومات وتقييم الوضع الراهن للأداء تمهيدا لإعادة هيكلة الهيئة ووضع استراتيجية تطويرها وسوف يتم الإعلان عن النتائج عند انتهاء الشركة من إنجاز العمل وفقا للعقد المبرم معها. أعلنتم أخيرا عن عدد من الوظائف المرتبطة بتخصصات جامعية غير شائعة. هل لديكم مشاريع للتعاون مع الجامعات في تدريب الطلبة مستقبلا في تلك التخصصات فيما هم على مقاعد الدراسة؟ هناك تعاون وتنسيق مع الجامعات السعودية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لخدمة الدراسات والأبحاث ذات العلاقة بالمحافظة على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية، وأنشئت عدة كراسي ومراكز تميز متخصصة في علوم البيئة والحياة الفطرية والتنوع الاحيائي في عدد من الجامعات السعودية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وقد وقعت الهيئة أخيرا مذكرة تفاهم مع جامعة الطائف. كما ابتعثت الهيئة عددا من منسوبيها للدراسات العليا والتدريب في عدد من الجامعات والمراكز الوطنية والدولية. كما يقوم مركز التدريب للمحافظة على الموارد الطبيعية التابع للهيئة بعقد العديد من البرامج والدورات التدريبية للجنسين في العديد من المجالات ذات العلاقة. ينظر إلى ردود فعل حراس المحميات على أنها تتجاوز الحد أحيانا فتحدث بعض المطاردات من حراس المحميات ضد من يتسللون عمدا إليها. وتتسبب أحيانا بحوادث مميتة. ألم يحن الوقت لاعتماد أسلوب أكثر سلاسة ومرونة دون تفريط في الحزم؟ في الحقيقة أن الجوالين «حراس المحميات» يتلقون دورات تدريبية مستمرة تشمل كل الجوانب بما في ذلك أسلوب التعامل مع الجمهور من زوار وجيران للمحمية إلى المخالفين من خلال مركز التدريب، وعلى أيدي نخبة متخصصة من معهد حرس الحدود ومدربين متخصصين في البيئة والاجتماع. وهم حتى اليوم لا يحملون أسلحة بل يعملون على إيقاف المخالفين بالدخول وإرشادهم وفقا للنظام والتعليمات وأخذ تعهد عليهم بعدم تكرار ذلك. ولكن يحدث أحيانا أن بعض المخالفين هم من يبدؤون بأفعال استفزازية وتحد للعاملين في المحمية نتيجة ارتكابهم مخالفات صيد أو حمل أسلحة ووسائل صيد مما يضطر الجوال إلى متابعتهم تنفيذا للمهام والواجب المكلف بها وفقا للنظام وتحرير محضر بذلك وإبلاغ أقرب مركز شرطة بذلك، وهناك حوادث عديدة تعرض فيها الجوالون للخطر إما بإطلاق النار عليهم أو انقلاب مركبتهم أثناء مطاردة المخالفين. ما الإمكانيات التي يمكن أن تقدمها المحميات الفطرية في هذا الوقت لصالح العمل السياحي العام؟ المناطق المحمية تعد من المناطق المهمة للسياحة البيئية، وهناك تعاون وتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار لتفعيل ذلك، وتم توقيع مذكرة تفاهم في هذا الخصوص. وهناك بعض المناطق المحمية المرشحة لذلك ومنها على سبيل المثال: محمية جزر فرسان ومحمية عروق بني معارض ومحمية محازة الصيد التي تصلح للسياحة البيئية خصوصا بعد إتمام الدراسات وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها وإنشاء النزل البيئية ووضع المعايير والضوابط لاستخدامها لهذا الغرض على نطاق أكبر، وهذه المشاريع ستفيد المستثمرين من خلال برامج السياحة البيئية في هذه المناطق. القناصون هم أعداء الحياة الفطرية، لكنهم ينظرون من جانب آخر إلى القنص كهواية ربما لا بديل لها لفئات عمرية معينة في مناطق معينة. هل فكرت الهيئة في حل يحمي الحياة الفطرية ويشبع نهم القناصين في الوقت نفسه؟ الهيئة تقدر أن هواية الصيد جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني وقد أحله الله عز وجل ولكن بضوابط. أما في جميع أنحاء العالم فهواة القنص الحقيقيون لم يكونوا قط أعداء الحياة الفطرية، فهم يدركون أنه لاستمرار هواية القنص لابد من استمرار وجود المصيد، وهم بذلك يلتزمون بالأنظمة والتشريعات الخاصة بالقنص بكل دقة، ولكن الذين يقومون بعمليات الصيد الجائر واختراق الأنظمة والتشريعات الوطنية والدولية هم أعداء الحياة الفطرية وهم كغيرهم من مخالفي الأنظمة الأخرى. وحكومتنا الرشيدة لم تغفل حق هواة الصيد الحقيقيين من خلال نظام صيد الحيوانات والطيور البرية ولائحته التنفيذية. وهناك مواسم للصيد المشروع يعلن عنها كل عام في وسائل الإعلام المختلفة مثل: موسم شبك الصقور، وصيد الأرانب، وصيد الحبارى، وصيد الكروان وصيد الضب. علما بأن صيد الطيور المهاجرة محظور منذ نحو أربعة أعوام بسبب خطر مرض إنفلونزا الطيور، والهيئة ليس لديها عداوة مع أي من أبناء أو بنات الوطن وإنما هي تؤدي واجباتها تجاه الوطن بالحفاظ على ثرواته الفطرية المهمة، ولكي يستمتع بها الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل. وقد شجعت الهيئة القطاع الخاص على فكرة القيام بالاستثمار في إنشاء محميات خاصة لتنظيم الصيد تقام على ملكيات خاصة وبتمويل من القطاع الخاص وبترخيص وإشراف الهيئة؛ حيث وافق مجلس إدارة الهيئة الموقر على ذلك بقرار رقم 177/21 وتاريخ 27/1/1429 بتفويض الأمانة العامة للهيئة بالتنسيق مع القطاع الخاص لإجراء دراسة حول إقامة مشاريع استثمارية في مجال الحياة الفطرية ما يتيح الفرصة لهواة الصيد لإشباع رغبتهم بأسلوب راقٍ وحضاري ولا يؤثر سلبا أو يهدد بقاء التنوع الاحيائي الفطري في بلادنا الغالية. هل لاحظتم انخفاضا في أعداد مستخدمي الأسلحة النارية من المتسللين للمحميات بعد الإجراءات الأمنية المشددة ضد حمل السلاح والمرتبطة بمسائل أمنية؟ بالتأكيد، إن تنظيم إجراءات حمل واقتناء الأسلحة يسهم في انخفاض أعداد مستخدمي الأسلحة النارية، وكذلك الجرائم الأخرى ذات العلاقة. إلا أن ذلك يحتاج إلى فترة طويلة ووعي واسع لدى كل فئات المجتمع للالتزام بالأنظمة والتشريعات، ومع ذلك لا يزال هناك عدد من الانتهاكات للأنظمة تحدث من قلة غير واعية أو مدركة لخطورة ما تقوم به من هدر للجهود الوطنية المخلصة للحفاظ على هذه الثروة. ما جزاء من يقتل حيوانا محميا عن عمد في محمية برية وما الإجراءات التي تتخذ بحقه منذ القبض عليه حتى تنفيذ عقوبته؟ يخضع المخالف في هذه الحالة للعقوبات التي ينص عليها نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية، ويتم إيقاف المخالف وتسليمه لأقرب مركز شرطة وتحرير محضر بحقه ويتم توقيفه من قِبل الشرطة أو الإمارة والتحقيق معه أمام لجان المحاكمة المشكلة من الإمارة والهيئة السعودية للحياة الفطرية، وتتخذ اللجنة قرار العقوبة بحقه وفقا للجرم المرتكب؛ حيث يعاقب المخالف لنظام المناطق المحمية للحياة الفطرية في هذه المخالفات بالسجن لمدة لا تزيد على 30 يوما وغرامة لا تزيد على 10.000 ريال أو بهما معا، وفي حالة تكرار المخالفة يجوز مضاعفة الغرامة ومصادرة المركبات وأدوات الصيد، وتسعى الهيئة لتعديل سقف العقوبات من خلال الرفع للجهات المعنية العليا لرفع الغرامة إلى 50 ألف ريال عن كل ضحية من الحيوانات، إضافة إلى مصادرة السيارة المخالفة وأدوات الصيد المستخدمة. هل يسمح للراغبين في التجول داخل المحميات؟ وما الإجراءات التي تتطلبها رخصة كهذه؟ نعم تسمح الهيئة للراغبين في زيارة المناطق المحمية بعد الحصول على ترخيص بذلك، حيث يقوم الراغب في الزيارة بتعبئة البيانات بالنموذج الخاص «ترخيص دخول محمية» الذي يوجد على موقع الهيئة بالإنترنت، يرسل النموذج بعد تعبئته وتوقيعه من طالب الترخيص للإدارة العامة للمحافظة، وفي حالة الموافقة يكون الدخول للمحمية والخروج منها عن طريق أحد مراكز الجوالين وإشعارهم بذلك مع الالتزام بالتعليمات المدونة خلف نموذج الترخيص، والالتزام التام بالسلوكيات الخاصة بالمحافظة على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية. لا تزال بعض المواقع الفطرية دون حماية وعرضها ذلك لاستنزاف يكاد يقضي عليها مثل: غابات المانجروف في الخليج العربي والغطاء النباتي في حائل، والنفود الكبير، وكذلك الغابات الجبلية في المنطقة الجنوبية الغربية، هل ثمة خطط للتوسع في المحميات وضم مثل هذه المواقع إلى قائمتها؟ وفقا للمنظومة الوطنية للمناطق المحمية فهناك نحو 75 منطقة محمية مقترحة ستدير الهيئة السعودية للحياة الفطرية 35 منطقة وباقي المناطق تدار من قِبل جهات أخرى، وتقوم الهيئة حاليا بإدارة 16 منطقة محمية ويتبقى 19 منطقة أخرى تحت الدراسة منها بحرية وأخرى برية، وهناك مناطق مقترحة وفقا لذلك في بعض المناطق في الخليج العربي والبحر الأحمر ومنطقة حائل والمناطق الجنوبية الغربية من المملكة. هل ثمة تعاون بينكم وبين الدول المجاورة التي تشترك في مواقع الحياة الفطرية؟ نعم هناك تعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك اتفاقية إقليمية للمحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذا إلى جانب الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمحافظة على البيئة والحياة الفطرية، وأيضا بروتوكولات إقليمية وتعاون للمحافظة على التنوع الاحيائي في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي. لا يزال هناك من يستمتعون بصيد الحيوانات الفطرية في غير مواقع المحميات، وهي عمليات صيد عبثية كالتي تستهدف الذئاب والضباع.. ألا يمكن وضع آلية من خلالها يسلم المواطن الحيوان المؤذي لإحدى المحميات دون أن يضطر إلى قتله؟ على أن يفرض إثر ذلك عقوبة على القتل حتى خارج نطاق المحميات؟ أولا: هناك نظام صيد الحيوانات والطيور البرية ولائحته التنفيذية التي تنظم أنشطة الصيد خارج نطاق المناطق المحمية، وهناك بيانات لتنظيم صيد الأنواع التي يسمح بصيدها كالأرانب والحبارى والكروان والضب وشبك الصقور تصدر كل عام من خلال وزارة الداخلية بالتنسيق مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية تحدد فيها مواعيد الصيد ووسائله والمناطق المسموح فيها بالصيد. أما ما يحدث من مخالفات وقتل عبثي وجائر لبعض الكائنات الفطرية كما ذكرت مثل الذئاب والضباع وغيرهما من المفترسات فإن ذلك يعد عملا منافيا ومخالفا لتعاليم الدين أولا ثم لكل الأنظمة والتشريعات، أما الدفاع عن النفس أو عن الممتلكات فهذه حالات نادرة جدا، والدليل على ذلك أن هذه الحيوانات تعيش منذ القدم مع السكان المحليين في المملكة وفي كل بقاع العالم وهي لا تشكل خطرا حقيقيا على المواطنين وممتلكاتهم إلا فيما ندر. هذه الحيوانات تشكل عنصرا مهما في الحفاظ على صحة وتوازن البيئة، وقتل هذه الحيوانات كان أحد أسباب تزايد أعداد قردة البابون في المناطق الجنوبية الغربية، والله عز وجل لم يخلق شيئا عبثا بل لدور يقوم به في هذه البيئة. وقتل مخلوقات الله عبثا ومن دون سبب شرعي لا يجوز ويؤثر سلبا في مجرى الحياة على كوكب الأرض. إنه من الواجب الملقى على عاتقنا جميعا أن نعتمد على الله عز وجل ونتكاتف جميعا في البيت والمدرسة والجهات المسؤولة على تنشئة الناشئة على القيم الإسلامية النبيلة والعادات العربية والشهامة لكي نرتقي بوطننا إلى المستوى الحضاري المأمول تحقيقا لتطلعات حكومتنا .