هذا ثالث مقال أكتبه عن الوضع السياسي العام بالعراق... البلد العربي الشقيق والجار العزيز. وربما أكتب عنه رابعا وخامسا في المدى القريب... لأن هذا القطر العربي كان مشروع دولة عربية قوية وكبرى، ولكنه هوى... وبدأ يتجزأ ويتفتت لأسباب معروفة... تشاركه فيها الدول العربية المضطربة وغير المستقرة حاليا. لذا أضحى تحليل الوضع السياسي العام بالعراق ينطبق – إلى حد كبير – على البلاد العربية المشابهة سياسيا له. ثم إن العراق يعتبر من أكثر البلاد أهمية وحيوية بالنسبة لنا في المملكة. فهناك تداخل جغرافي وديموغرافي بين البلدين اللذين تفصل بينهما حدود مشتركة تمتد لحوالي 800 كيلو متر. ويكاد يجمع علماء وخبراء السياسة العالميون والعرب، المعنيون بالشأن العراقي، أن نجاة العراق، وقيامه كدولة مستقلة ومزدهرة، كان يتطلب تأسيسه على قاعدتين أساسيتين، هما: الديمقراطية (القائمة على دستور تقبله غالبية الشعب العراقي) والفيدرالية... القائمة على أساس مناطقي وجغرافي، وليس على أساس عرقي أو مذهبي. وإن سلمنا بذلك، نجد أن الوضع السياسي العام بالعراق سيضطرب كلما ابتعد بالعراق عن هاتين القاعدتين، ويستقر كلما اقترب بتلك البلاد منهما. وقد ابتعد العراق كثيرا عن هذين الأساسين... بل إنه لم يكن يوما ديمقراطيا وفيدراليا. لذلك، تعثر... ثم وصل إلى حافة الانهيار والتفكك والزوال، في الوقت الحاضر. ولم يكن من الصعب تبني هذا الخيار، بالنسبة للعراقيين (بكل أطيافهم) خاصة بعد أن تأكد – عبر تجربة تاريخية مريرة - بطلان وفساد وسوء «الخيارات» الأخرى، بالنسبة لهم، ولمن يشابههم في التنوع. وكان يمكن – منعا للانقسام المذهبي والعرقي أكثر – اعتبار كل من محافظاتالعراق الثماني عشرة الحالية «ولاية» قائمة بذاتها... لها ما للولاية، في الاتحاد الفيدرالي، وعليها ما عليها. ويبدو أن غالبية أبناء الطوائف العراقية الثلاث الرئيسة (الشيعة والأكراد والسنة) تتفهم هذا الخيار على حقيقته، وتدرك أهمية تبنيه بشكل سليم. ولكن انتهازية بعض القيادات العراقية، والتدخلات المغرضة، جعلت فكر أبناء الطوائف السياسي موزعا بين التقسيم، أو الوحدة الاندماجية الكاملة، وكلاهما سيئ. وكل فئة تريد – وهذا مفهوم في كل الظروف – أن يكون لها نصيب الأسد في «حكومة العراق»، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى. هذا، رغم أن نسبة متزايدة، من طائفتي السنة والشيعة قد بدأت تقبل بالفعل بالإطار الديمقراطي – الفيدرالي، وتحبذ فكرة تقاسم السلطة، بناء على الحجم الديموغرافي لكل ولاية. ولكن تغول بعض القادة الطائفيين (وفي مقدمة هؤلاء مجرم الحرب نوري المالكي) في معاداة الطوائف العراقية الأخرى، ومحاولة الاستئثار بالسلطة، أوصل العراق إلى حافة التقسيم الفعلي. **** أما معظم قادة الأكراد، فإنهم يهدفون – في الواقع – إلى: الانفصال، وإقامة دولة «كردستان»، في الجزء المعروف الآن ب «كردستان العراق»، تمهيدا لإقامة كردستان الكبرى. ويتضح ذلك من «المطالب» السياسية التي قدموها، ويقدمونها، تجاه بقية العراقيين، والتي ستؤدي – إن تم الأخذ بها كلها – إلى الانفصال و«الاستقلال». فبالإضافة إلى المناصب العليا التي يطالبون بها – وحصلوا على بعضها – فإنهم يريدون أشياء أخرى... لا تتناسب مع كونهم يمثلون 20 % فقط، من أبناء الشعب العراقي، منها:- 1 - إقرار الفيدرالية في العراق، ليس على أساس مناطقي وإداري، بل على أسس عرقية ومذهبية... وبما يضمن تجهيز كردستان العراق للانفصال والاستقلال، قريبا. 2 - ضم مدينة كركوك – الغنية بالنفط – إلى ولاية كردستان. ورفض حل المشكلة بعودة المواطنين الذين أخرجهم نظام صدام حسين منها. بل إنهم يصرون على ترحيل العرب المقيمين فيها. 3 - الحصول على ما نسبته 25 % من الثروات العراقية (بما فيها النفطية). 4 - بقاء قوات «البشمرجة» (ميليشيا الأكراد العراقيين) وبعدد لا يقل عن 100 ألف مسلح... وذلك مخالف للقوانين العراقية التي صدرت بحظر تشكيل جيوش خاصة، من قبل الجماعات العراقية المختلفة. ويرفض الأكراد دمج هذه القوات في الجيش العراقي، ويصرون على استقلاليتها، وتمركزها في كردستان العراقية فقط. كما يطالبون الحكومة المركزية العراقية بدفع رواتبها الشهرية؟!. وعندما نتأمل تصريحات ساسة الأكراد الأخيرة، وخاصة تصريحات حاكم الإقليم مسعود البرزاني، وسياسات القوى الدولية الكبرى نحو المنطقة، نجد أن إعلان استقلال هذا الإقليم قد أصبح وشيكا... ليؤكد هذا الاستقلال تجزئة العراق، بل وبداية عملية إعادة رسم الحدود بالفعل في منطقة الشرق الأوسط... هذه العملية التي يبدو أنها ستطال أغلب بلاد المنطقة.