هناك كثير من الاغتياب يمارس على وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك والشبكات الإلكترونية وغيرها، بعضه يأتي في شكل سخرية وبعضه شتائم وبعضه افتراءات وإشاعات. ومن الواضح أن الذين يمارسون الاغتياب لا يشعرون بالإثم على الإطلاق، إما لأنهم أصلا غير متدينين وإما لأنهم من صغار المراهقين الذين ما زال الطيش هو الذي يحكم تصرفاتهم، وإما للظن أن الذي يغتابونه لا حرمة له، خاصة متى كانت الغيبة تساق بحجة الدفاع عن الدين. ومع ذلك، أن يمارس العامة أو الطائشون من المراهقين سلوك الغيبة، هو أمر قد لا يثير الاستغراب، فكما يقال (الشيء من معدنه لا يستغرب). ولكن أن نجد أشخاصا ناضجين سنا، يظهرون للناس سمات التدين والتقوى، ثم يسمحون لألسنتهم أن تغتاب الآخرين بلا أدنى خشية من الوقوع في الإثم، فينثرون على الصفحات الإلكترونية الاتهامات لمن لا يعجبهم رأيه، فينسبون إليه اعتناق العلمانية والعداء للدين والبعد عن التقوى والميل إلى الغرب أو غير ذلك من صنوف الاتهامات مشفوعا بها سيل وافر من الشتائم، فهذا هو الأمر المثير للاستغراب، لأن فيه تناقضا وتضادا ما بين ادعائهم الخوف من الله والحرص على طاعته، والوقوع في نهش لحوم المسلمين والمسلمات!! هناك من يظن أن الدفاع عن الدين حجة تبيح له الاغتياب، لكن هناك فرقا بين الدفاع عن الدين والغيبة، فالدفاع عن الدين يعني أن تورد أدلتك التي تبطل قول المخالف، فتبين خطأه وضلاله، أما الغيبة فتتمثل في وصفك له بصفات السوء واتهامك إياه بتهم لا تملك عليها أي دليل سوى ما أرشدك إليه ظنك المبني على استنتاجاتك الخاصة. وهناك من يظن أن الذين ينهش لحومهم ليس لهم حصانة تحميهم من الاغتياب، لأنهم (كما يراهم) أعداء للدين، ومن كان عدوا للدين جاز اغتيابه. حضرة المغتاب المحترم ينسى أنه لا دليل عنده على أن من يغتابهم أعداء للدين، سوى (رأيه) الذي بناه على استدلالات قد لا تكون صحيحة. كم هو مؤسف أن أولئك الذين يغتابون الناس بحجة الدفاع عن الدين، يظنون أنهم يفعلون خيرا وأنهم مأجورون، ويغيب عنهم أنهم بممارسة الغيبة يرتكبون إثما حين يجترحون فعلا نهاهم عنه ربهم، وما كان أغناهم عن ذلك.