قرأت مؤخرا بإحدى الصحف شروط التبني المحلية، وصعقت بأنها نصت بكل صراحة على شرط: توافق لون البشرة بين اليتيم والعائلة الحاضنة! من حق الهيئات المعنية الحرص على مستقبل اليتيم والتقصي عن العائلة المتبناة لضمان حياة كريمة لليتيم، وشكرا لهم فهم يؤدون واجبا إنسانيا ودينيا واجتماعيا رائعا لفئة مهمشة، وجزاهم الله خيرا لمساعدة الأيتام ذوي النفسيات الهشة والثقة المفقودة في النفس وهذا يحتاج لصبر ونبل وإنسانية نادرة بالبشر. ولكنني أتمنى إعادة النظر بشرط توافق لون البشرة هذا، الذي لم أستسغه شخصيا ووجدته مهينا وهذا رأيي الشخصي (وأعرف أن البعض سيعارضني). فأولا: أين المساواة التي نادى بها الإسلام؟ وأين تشدقنا بها وإلغاء الفروقات بين البشر بسبب اللون وغيره. لم نفرض على العائلة الحاضنة اختيار طفل مناسب لونيا؟ ولم نحدد فرص التبني للأطفال المساكين الذين يتمنون حياة كريمة بوسط عائلة محبة ترعاهم شخصيا وذلك بسبب لون البشرة؟ وهو عامل قدري لا يمكن تغييره. فيشعر الطفل وكأن لونه لعنة عليه إن تعثر تبنيه بسببه فتزداد مرارة اليتم بالقهر والعنصرية. وهل تتطابق ألوان بشرات وأشكال كل الإخوة بالعائلة الواحدة؟ ثانيا: إذا كان الهدف من وضع شرط تطابق لون البشرة هو حماية الطفل النفسية بأن لا يشعر أنه غريب على العائلة فنحن نضحك على أنفسنا وعلى الطفل اليتيم. فمعروف أن الإسلام يوصي بالمصارحة والصدق مع اليتيم بل ويشدد عليه: «ادعوهم لآبائهم» إن كانوا معروفين. فتعاليم الإسلام واضحة. وهنا لا تكون مشكلة إذا كان اليتيم من لون أو عرق مختلفين فحقيقته معروفة له وللجميع. سيقول البعض يجب حماية الطفل إلى سن معين وعدم مصارحته بحقيقة التبني لئلا يتعقد إلى أن يكبر قليلا وبذلك فتطابق لون البشرة يحميه في السنوات الأولى من العمر وهذا تفكير رحيم ولكنه للأسف ليس في مصلحة اليتيم على المدى الطويل. والصدمة التي سيتلقاها اليتيم حينما يصبح في «السن المناسب للمصارحة» ستكون كارثية وغالبا ما تؤدي للتمرد الأسري والاجتماعي والانحراف. فلذا يتوجب إعداد اليتيم للحقيقة وإخباره بها بالتدريج الذي يتناسب مع عمره. وأما عن كلام الناس فالناس سيتكلمون بأي حال وإذا عرفت الحقيقة منذ البداية فسيكون عمر «القرقرة» قصيرا. والناس تتكلم حتى على فروقات أفراد العائلة الواحدة إذا اختلفت ألوانهم أو ملامحهم. أعرف الكثيرين ممن تبنوا أطفالا وكانت تجاربهم جيدة. لدي صديقة تبنت طفلا وقالت له منذ أن بدأ يدرك الأمور: أنت أكثر حظا من الكثير من الأطفال لأن الأطفال لديهم أب وأم فقط وأنت لديك أبان اثنان وأمان اثنتان، صعدت روح اثنين منهم للسماء وبقي اثنان بالأرض ليحبوك. أعرف امرأة اسكندنافية بيضاء تبنت طفلا افريقيا، وطبيعي أن تباين الألوان يثير الفضول والأسئلة، ونعم يأتي لها الطفل تكرارا وهو يبكي بسبب التعليقات وتضطر أن تهدئه ولكنه يعرف الحقيقة ويشعر بالحب ومع الوقت استقر نفسيا. وكانت لدي جارة أمريكية بيضاء بعيون زرقاء ولها أطفال يشبهونها، ثم تبنت طفلة من الصين. كان التباين العرقي واضحا، ولكن الفتاة، وأنا عرفتها وعمرها خمسة أعوام فقط كانت تعرف الحقيقة كاملة، بل وسمعتها تحكي لصديقاتها قصة تبنيها بكل أريحية. لن أكون رومانسية وأقول إن كل تجارب التبني ناجحة ولكن هل كل قصص التربية بين الآباء والأمهات الحقيقيين ناجحة أيضا؟ مجرد رغبة عائلة ما بالتبني تدل عموما على الإنسانية والإيثار فلم نصعب عليهم الأمور وعلى الأيتام؟ فمن واجبنا ومصلحتنا مساعدة الأيتام بالاندماج بالمجتمع فيكفيهم مرارة اليتم وعنصرية المجتمع. لن أنسى بحياتي نقاشا دار بين أم متبنية لطفل وأخرى في إحد المناسبات الاجتماعية. حيث إن الأم المتبنية كانت سعيدة بطفلها وألبسته أجمل الثياب وقدمته لنا بفخر، فقالت لها إحدى الجاهلات سامحها الله: «هذا مو يتيم هذا لقيط! الله أعلم إيش أصله؟ وراح يمحق لك بركة البيت!». لن أنسى كيف بكت تلك الأم ولملمت أغراضها وخرجت. ولن أنسى صمت المجلس وانسحابنا تدريجيا بعدها. ألا يكفي أطفالنا الأيتام مصيبتهم التي سترافقهم طول العمر، وجهل مجتمع مكتظ بالأنانية والعجرفة والعنصرية، فهل نزيد عليهم اللعنات ونحولهم إلى مجرد معروضات نختارها حسب الألوان!