كانت الفتاة المكسيكية اليدا غالانغوس في الثانية من عمرها حين داهمت قوات الشرطة منزلها للقبض على والديها المتهمين في قضية سياسية. وأصيب شقيقها في تلك الغارة بجروح في قدمه ونقل إلى المستشفى بينما أودع والداها السجن حيث لم تراهما أو تسمع عنهما منذ ذلك اليوم مثل مئات آخرين من اليساريين. وانتهى بها الأمر لدى عائلة أخرى ربتها واعتنت بها بعيداً عن شقيقها الذي اختفى هو الآخر. واليوم.. وبعد حوالي 30 عاماً تمكنت اليدا من العثور على شقيقها الأكبر الذي كان عمره 3 سنوات فقط حين افترقا. ونجحت في ذلك بعد أن أمضت ثلاث سنوات في البحث المتواصل والمكثف عن أية معلومة تقودها له. وكسرت حاجز الغموض بعد أن توصلت إلى أنه يعمل في شركة مقاولات بالعاصمة الأمريكيةواشنطن وباسم مختلف. واستغرق إقناع شقيقها بالقصة أكثر من ثلاثة أيام متواصلة حتى قبل بالأمر الواقع وعرف الحقيقة وكشف الأسرار التي كانت تحيط بطفولته. ووصل «لوسيو غالانغوس» لشقة تسكنها أخته ووقعت عيناه عليها لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً.وهذه النهاية السعيدة للشقيقين اللذين افترقا بسبب غارة للشرطة قبل ثلاثة عقود أنعشت آمال المئات في المكسيك جميعهم مروا بظروف مشابهة وافترقوا عن أفراد عائلتهم للأبد دون أية معلومة تدلهم على أماكنهم. ويتذكر المكسيكيون كيف تسببت «الحرب القذرة» التي كانت تهدف للقضاء على اليساريين في البلاد في أذى بالغ للأطفال الأبرياء الذين لم يجدوا من يعولهم بعد سجن آبائهم أو مصرعهم. فغالباً ما يتعرضون لفقدان هواياتهم الأصلية حين تتبناهم أسر أخرى.. وتقول اليدا التي أثمرت جهودها بعد عناء طويل «فعلت ذلك لأنه شقيقي .. من لحمي ودمي. ولأنني رغبت أن أراه مهما كلفني الأمر». ثم أضافت «أردت فقط أن أعرف أن كان حياً أو ميتاً. وهل هو سعيد أم شقي ». وتعمل أليدا غالانغوس كمديرة تنفيذية في أحد المصانع بمدينة سيوداد خواريز. ونجحت في الوصول لشقيقها المفقود بواسطة جمع المعلومات التي وصلتها باستخدام صور عائلية قديمة وملفات التبني وأرقام الهواتف الخاصة بالأسر التي تقدمت لطلبات تبني الأيتام في تلك الفترة. وبعد أن وصلت للعائلة كان عليها أن تخوض تجربة أصعب وهي الوصول له هو خاصة وأنه غادر البلاد منذ فترة طويلة. ولكنها استعانت بمحققين متخصصين وعرضت قضيتها على التلفزيون ووجدت دعماً منهم كما استفادت كثيراً من المقالات التي كتبها صحفيون جذبتهم القضية كثيراً. وتمكنت من تغطية مصاريف البحث المكلف عن طريق التبرعات التي وصلت لحسابها من جهات عديدة تفاعلت مع القصة بشكل سريع وفعال. وفي يوم 23 ديسمبر الماضي عرض التلفزيون تقريراً شاملاً عن قضيتها وتلقت في اليوم التالي اتصالاً كانت تنتظره بفارغ الصبر. فعلى الطرف الأخر كان هناك شقيقها المفقود الذي يعيش في واشنطن واتصل فقط ليسألها عن هوية الشخص المفقود بعد أن وجد تشابهاً كبيراً بينه وبين أوصاف ذلك الشخص. وراحت اليدا تسرد القصة كاملة للشخص على الطرف الآخر من الهاتف وأخبرته كيف أنها تمكنت من معرفة الحقيقة قبل سنوات قليلة فقط حين أصبحت الوثائق السرية القديمة في يد الجميع. وعلمت أنها فتاة متبناة تحمل اسماً مختلفاً عن اسمها الأصلي الذي وجدته في سجلات ومقالات قديمة. وبدأت في تقصي الحقائق حتى وصلت لاسم والدها الأصلي وهو روبيرتو غالانغوس وأمها كارمين فارغاس. وعرفت أن الشرطة أشتبهت في أن تكون لوالدها علاقة ما بتشكيل إرهابي شيوعي يطلق عليه اسم «اللواء الأحمر» وأغار الجنود على منزلهم وقبضوا على الجميع. الأب والأم انتهى بهما الأمر للسجن.. بينما أرسلت الحكومة شقيقها لوسيو لدار أيتام بعد أن تلقى العلاج في أحد المستشفيات. وبقيت أليدا بلا مأوى حتى وصلت لأسرة صديقة عاشت معهم بعد أن تبنوها رسمياً . وبعد شهر من الحادثة تبنت إحدى الأسر الطفل لوسيو الذي كان يحمل اسم والده «أنتونيو» في سجلات دار الأيتام. وغادر الدار حاملاً اسما جديداً هو هيرنانديز لوبيز. ولكن مصير الأب والأم مازال مجهولاً حتى اليوم وقال كبير مفتشي الشرطة إن السجلات تؤكد وجودهم أحياء في سجون مختلفة حتى عام 1975م ولا يعلم أحد ماذا حل بهما بعد هذا التاريخ. واستمر الغموض رغم أن الشرطة نجحت في التعرف على أربعة عناصر من الشرطة شاركوا في الغارة ونقلوا الطفل لوسيو للمستشفى ثم لدار الأيتام. ولكن جهلهم بما حدث بعد ذلك لم يقدم شيئاً يفيد اليدا أو المحققين الآخرين كما أنهم لم ولن يواجهوا أية تهم تتعلق بما فعلوه بالماضي لأنهم كانوا يطبقون القانون في وقته ويقع كل اللوم على الإجراءات الإدارية الضعيفة آنذاك. واشارت أليدا إلى خطوتها الأولى نحو العثور على شقيقها بدأت حين وجدت صورة لأحد الأطفال اليتامى في تلك الدار ضمن تقرير خاص به. قالت إن ذلك الطفل الصغير كان شديد الشبه بوالدها الذي تحتفظ بصورة له وعرفت أن وراء هذا الطفل سراً كبيراً خاصة وأن الملف تنقصه بيانات كثيرة تتعلق باسم الطفل وتاريخه. وكان لهذه الحقيقة أثر بالغ على نفسية لوسيو الذي وصله الخبر كالصاعقة خاصة وأن والداه بالتبني قد أخفيا عنه حقيقته ولم يخبراه أنه ابنهما بالتبني فقط. وتقبل الأمر بصعوبة بالغة وفرح كثيراً بالجهد الجبار الذي بذلته شقيقته الصغرى من أجل أن تراه وتتعرف عليه. وقال لوسيو «على الرغم من أني أحمل اسم غالانغوس، تبقى حياتي كلها مرتبطة بعائلتي التي ربتني ولا أعرف أحداً سواهم. وأفهم الأسباب التي دعتهم لإخفاء الحقيقة عني ».ثم أضاف «اليوم تكلمت مع شقيقتي لأول مرة منذ 30 عاماً، هذه نهاية سعيدة ترغمني أن أنسى كل شيء آخر وتجعلني أفكر بمستقبلي بشكل مختلف لضمان حياة أفضل لي ... ولشقيقتي أليدا ».