أكد رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ أن المعهد يمد جسر تواصل بين العالم العربي وباقي دول العالم، وبين الحضارة العربية وباقي الحضارات، وبين الثقافة العربية وباقي الثقافات. ومهمته الأولى ومجمل نشاطاته موجهة لتعزيز الحوار على غرار الملتقيات والمنتديات واللقاءات لتعليم اللغة العربية وإقامة المعارض .. بهذه النشاطات اليومية يكون الحوار مجسدا ومستمرا ويرنو إلى التسامح. وأثنى جاك لانغ على مساهمة المملكة، في عدد من الفعاليات الثقافية والإشراف على عدد من المعارض وعدد من المشاريع التي نجحت بامتياز في استقطاب الجمهور والتأثير عليهم ثقافيا ومعرفيا، كاشفا عن مشروع المعهد القادم وهو إيجاد عاصمة لتعليم اللغة العربية عن بعد. عندما كنت وزيرا للثقافة، في عهد ميتران، اخترت أن يكون معهد العالم العربي في هذا المكان الذي يقع فيه اليوم، لماذا اخترت هذا الموقع وهل هو رهان هذه المؤسسة على مد جسر بين الغرب والعالم العربي، خاصة إحياء العلاقات الفرانكو- عربية؟ ‐ نعم، تعلمين أن إنشاء معهد العالم العربي كان، على ما أعتقد، أول مشروع لي عندما أصبحت وزيرا للثقافة. يومها قدمت المقترح لرئيس الجمهورية، فرانسوا ميتران، ورد علي بجملة بسيطة: «حاول أن تجد مكانا يليق بهكذا معهد..» وبفضل أصدقائي استطعنا خلال أيام قلائل اكتشاف هذا المكان الذي يقع فيه معهد العالم العربي اليوم.. وهو على بعد خطوات من Notre dame de Paris وعلى بعد خطوات من مسجد باريس. وكما قلتِ.. قبالة جزيرة سان لويس ومتاخم لنهر السان. و من خلال آخر طابق به، نطل على منظر خلاب لمدينة باريس، فلا يمكن أن نتوقع موقعا آخر أجمل من هذا الموقع ليقام عليه معهد يربط بين عالمين، طالما ربطتهما عوامل مشتركة وطالما مد جسورا ثقافية وحضارية مميزة. الموقع وحده يمنح المعهد رمزية فريدة تتجلى فيها الإرادة لإسقاط كل أسوار المسافات والحدود بين الدول، فهناك دول تسهم بشكل فاعل وهناك دول مغيبة تماما هل هو تراجع لدور المعهد الذي أنشئ من أجله، أم هو تخلٍ لهذه الدول عن المساهمة في تنمية الثقافة العربية خارج حدودها؟ ‐ لطالما أثيرت هذه المسألة منذ المنشأ. صحيح أنه عندما أنشئ المعهد، توقعت فرنسا والدول العربية نظام شراكة بينهم، كأن يكون الرئيس فرنسيا بالضرورة ويكون المدير العام عربيا بالضرورة. كما تم الاتفاق أن تقدم البلدان العربية مساهمة مالية وفق نظام الجامعة العربية، هذا كان منذ 30 أو 40 سنة، ولكن لأسباب إدارية لم تحترم بعض الدول التزاماتها وبدأت ديونها تتراكم. هذه الوضعية أدخلت المعهد في وضعية كارثية وفي دوامة الإفلاس، إلى أن جاء القائم، أنذاك، عن المعهد (كميل كبانا) -في عهد الرئيس جاك شيراك- وطالب بوضع حد لذلك خاصة أن المعهد لم يكن بإمكانه الاستمرار في تلك الوضعية الكارثية، فاقترح إيقاف المساهمات المالية السنوية التي كانت تأتي معظمها متأخرة واقترح بدل ذلك دفع الديون لصندوق المانحين الذي وضع في البنك، وهو ما عليه الوضع اليوم، حيث يوجد صندوق للمانحين به 60 مليون يورو؛ يمنح المعهد جرعة أكسجين، ليس بالقدر الكافي ولكنه مهم لمعهد العالم العربي. هل هذا التغيير في المساهمة المالية للدول العربية شكل مرحلة جديدة لمعهد العالم العربي (ليما)؟ ‐ ربما التغيير كان نسبيا، حيث أصبح (الليما) مستقلا، فهناك أوقات كان فيها المعهد في الواجهة وكان في أوج نشاطه و تحركاته، وهناك أوقات مر بها كان ضئيل النشاطات. وعندما طلب مني رئيس الجمهورية ترؤس المعهد قبل ثلاث سنوات كانت المؤسسة تعيش الأزمة ليس بالحدة التي كانت بها من قبل لكنها كانت تعيش أزمة ليس فقط مالية ولكنها أيضا أزمة إبداع وأردت بمجيئي على رأس (الليما) أن أصحح الوضعية المالية، ونجحت في استعادة مكانتها، حيث إن الحسابات البنكية اليوم متوازنة، واستطعت أن أعيد للمؤسسة بريقها ونفسها ولونها الذي وجدت من أجله. مساهمة المملكة المملكة العربية السعودية من بين الدول التي تبنت فكرة إنشاء معهد العالم العربي، كيف ترون مساهمة المملكة في نشاطات المعهد وهل هناك مشاريع مستقبلية؟ ‐ في السنوات الأخيرة، كانت المملكة العربية السعودية، من خلال مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، (المنظم الشريك) للمعهد في المعرض الكبير الذي نظم حول الحج. وكانت مساهمة المملكة بنسبة 50% في 2014. ولم تقتصر مشاركة المملكة من خلال مكتبة الملك بن عبد العزيز على المشاركة المادية في المعرض، بل كانت أيضا مشاركة ثقافية، حيث شكل فريق علمي مشترك مع فريق المعهد للإشراف على المعرض. وعمل الفريق العلمي الممثل للمكتبة مع الفريق العلمي الممثل للمعهد يدا بيد طيلة سنة كاملة لإنجاح الحدث. وحقق المعرض نجاحا باهرا وعرف إقبالا كبيرا، وهو معرض لم ينظم مثله على الإطلاق. كانت من بين المشاريع التي لم تتجسد لليوم أن الملك عبدالله بن عبد العزيز قبل وفاته، كان قد اقترح على رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، المساهمة في تمويل إعادة ترميم مبنى معهد العالم العربي. وأعتقد أن المبلغ تراوح بين 13 أو 14 مليون يورو. والتقيت بوزير الخارجية عندما زار باريس منذ بضعة أشهر، ولمسنا إرادة من المسؤولين بالالتزام بمقترح الملك - رحمه الله- ونحن متفائلون بهذا الالتزام. التبادل الثقافي بين المملكة وفرنسا هل هناك تبادل ثقافي بين المملكة وفرنسا؟ ‐ نعم هناك بعض النشاطات المهمة، وكنت قد اقترحت عدة نشاطات مع مؤسسات ثقافية سعودية ولكنها لم تتجسد بعد، حيث اقترحت أن يقام في معهد العالم العربي معرض ضخم حول التراث السعودي، والمواقع الأثرية وقد تلقيت الرد الإيجابي من قبل السلطات السعودية. ونتمنى أن يتجسد هذا المشروع الجميل في أقرب وقت. عندما كنت وزيرا للثقافة، نظمنا معرضا كبيرا بالقصر الكبير، ضم أضخم معرض عن المملكة. أتذكر حينها أن سفير المملكة العربية السعودية -آنذاك- جميل الحجيلان جاءني وطلب مني أن نتعاون في تنظيم ذلك الحدث، وكان بالفعل حدثا كبيرا، ضم أجنحة متعددة حول الحياة الثقافية والحياة الاقتصادية والتاريخية. وكان بالفعل حدثا مميزا شهدته باريس. أتمنى أن تشهد باريس حدثا آخر من هذا الحجم عن المملكة العربية السعودية. أتذكر أنه كان هناك تظاهرة أيضا مهمة عرفها متحف اللوفر وقد ساهم في إطلاقها الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- حملت عنوان (طرق المملكة، آثار وتاريخ المملكة العربية السعودية). وذلك في 2010 وكان معرضا مميزا بكل المقاييس. في رأيك، هل خسر معهد العالم العربي مركزه في أداء دوره «القيادي للتعريف بالثقافات والحضارات العربية والإسلامية» أمام متحف اللوفر، الذي أصبح منبرا مهما للثقافات والحضارات العربية والإسلامية، خاصة بعد تبنيه للثقافة العربية من خلال إنشاء دائرة خاصة بالثقافة الشرق أوسطية؟ ‐ أولا؛ دعيني أخبرك شيئا مهما، أنا من اكتشف في سنة 1981 حين كنت وزيرا للثقافة، صناديق منسية بقصر طوكيو لكل تلك التحف الفنية الخاصة بالفن الإسلامي التي لم يعرها متحف اللوفر أي اهتمام، وقلت في تلك اللحظة لمدير المتحف: لماذا لا يتم عرض هذه الكنوز، وقد أجابني حينها أن اللوفر يفتقد للحيز والمساحة اللازمة لعرضها وأن المتحف ليس به دائرة للفن الإسلامي، فقررت كوزير للثقافة عرض جزء كبير من المجموعة في معهد العالم العربي، وبقيت معروضة لأكثر من تسع أو عشر سنوات بأروقة متحف المعهد وفيما بعد تفطن مسؤولو اللوفر، وتساءلوا كيف أن معهد العالم العربي يعرض لوحات هي ملكنا وطالبوا باستعادة تلك الكنوز وهو أمر طبيعي بالنسبة لي لأن مكان تلك التحف الرائعة هو متحف اللوفر.. صحيح أن (الليما) هو أكثر من متحف، فهو مؤسسة ثقافية حية تعني بكل جوانب الثقافة والعلوم والأدب والفنون والحضارات والأديان أما اللوفر هو متحف فقط، مخصص لعرض التحف. ومن الطبيعي أن أعيد لهم تلك التحف. قطار الشرق السريع «كان يا مكان.. كان قطار الشرق السريع» معرض نظم على جادة العالم العربي في 2013 وعرف نجاحا باهرا، هل استطاع هذا المعرض أن يجسد صورة العالم العربي «المتحضر» بعيدا عن مسرح الصراع السياسي والديني؟ ‐ معرض قطار الشرق كان له ميزة مثيرة ورائعة، تجلت في أنه كان دعوة للترحال والسفر باتجاه الشرق على متن القطار التاريخي باتجاه العواصم العربية. في هذا المعرض اكتشف الزوار أن قطار الشرق كان يصل في رحلاته إلى مكة والقاهرة، مرورا ببغداد. قطار الشرق هو قاطرة الغرب نحو الشرق والعكس، استطاع أن يفسح المجال للزوار للتعرف عن قرب عن الكثير من العواصم العربية وما حملته من تاريخ وحضارة وثقافة وتسامح،كان قطار الشرق، قاطرة للتعرف إلى العالم العربي. التعريف بالثقافة والحضارة العربية كيف يمكن لمعهد العالم العربي أن يعزز الفهم الصحيح ومن ثم إعطاء مفاتيح القراءة الصائبة للحضارة الإسلامية والتعريف بالثقافة والحضارة العربية، وأيضا باللغة العربية بعيدا عن التطرف والغلو؟ ‐ منذ أن توليت مهامي على هرم هذه المؤسسة، عرفت دائرة العالم العربي صعودا مهما وذلك بارتفاع عدد الأساتذة والطلاب، لقد نصبت على دائرة اللغة العربية شخصية معروفة في العالم العربي هي اللبنانية ندى اليافي، وأعطت هذه المرأة روحا شبابية لتعليم اللغة العربية. وفي الأيام القادمة وتحديدا، بتاريخ 25 سبتمبر سنقدم مشروعا جديدا لتعليم اللغة العربية، وهي طريقة جديدة، كما سيكون معهد العالم العربي المكان الوحيد وعاصمة لتعليم اللغة العربية عن بعد. ودعيني أخبرك أنه لكثرة الطلبات التي تصلنا لتعلم اللغة العربية، فقد اضطررنا للاستعانة بقاعات ومدرجات الجامعة المجاورة والقريبة من المعهد للاستجابة لطلبات الشباب وغير الشباب الذين يريدون تعلم اللغة العربية. وقد اتخذنا إجراءات كثيرة لتكون اللغة العربية حاضرة في المعهد بشكل يليق بها وبالمؤسسة التي تحتضنها وتمثلها. لقد ترجم دليل المعهد إلى اللغة العربية بعدما كان يصدر فقط بالفرنسية والإنجليزية. وترجم دليل متحف المعهد أيضا إلى العربية. متحف شاعري ينظم في كل مرة معارض عن الروايات العربية وسيتم في الأيام القادمة تنظيم معرض عن رواية كليلة ودمنة وسيتم خلال المعرض قراءة بعض النصوص في أمسية من هذا الأدب الفريد والأوحد. كما نظمنا في يناير الماضي ندوة مهمة حول نهضة العالم العربي الذي شارك فيها 300 شخصية من العالم العربي لإبراز العوامل الإيجابية في العالم الإسلامي؛ هذا العالم الموسوم فقط بالعنف والتطرف ونسينا أن نقول إن العالم العربي الإسلامي هو عالم ساهم في نهضة تاريخية وأتى بتغيرات مهمة في كل المجالات أثرت ميادين الحياة بالعلوم. أحياء مشاريع الترجمة والنشر هل فكرتم في إحياء مشاريع الترجمة والنشر. خصوصا الأعمال التي تهتم بالبعد العالمي للحضارة العربية والإسلامية؟ ‐ لحد الآن معهد العالم العربي ليس له التخويل ولا المال لترجمة أعمال أدبية تهتم بالعالم العربي والحضارة الإسلامية في حين أن وزارة الثقافة لديها الآليات لفعل ذلك ولكن مكتبة بيع الكتب التابعة للمعهد هي أكبر مكتبة للأدب العربي الموجودة بفرنسا في حين نحاول ترجمة منشوراتنا إلى اللغة العربية. المملكة العربية السعودية تحتفل بيومها الوطني في هذا الأسبوع، كيف ترون دور المملكة في نشر السلم والأمن عبر العالم؟ ‐ المملكة هي بلد كبير ويكفيها فخرا أنها تحتضن البقاع المقدسة، يحج إليها الملايين. المملكة لها موقعها الخاص الذي تحترمه كل الدول ولها سياستها الصارمة التي لا تحيد عنها. ولا يجب أن ننكر أن للمملكة دورها في العالم العربي المحوري والحاسم، فهي تلعب دورا حازما لصالح السلم والأمن وتساهم في محاربة الإرهاب وكانت صاحبة مبادرة سلام طرحها الملك عبدالله -رحمه الله-، وجهر بها الملك سلمان بن عبد العزيز؛ فدور المملكة مهم في المنطقة لذلك تسعى الجمهورية الفرنسية للحفاظ على التقاليد والأعراف السياسية والديبلوماسية التي تمتد لسنوات. وفرنسا ومن خلال معهد العالم العربي تحرص على توطيد أكثر للعلاقات بين البلدين؛ تلك العلاقات التي تغذيها المصالح المشتركة.