إذا وقعت الكوميديا في الإسفاف والبذاءات فاعلم أنها لم تعد كوميديا، وإنما (تهريج) يحاول أن ينتزع ضحكات الناس بالقوة؛ لأنه غير قادر على تحقيقها بالمواقف والمفارقات المدروسة والمكتوبة بعناية. قبل حادثة احتفالات الرياض التي حاول فيها شاب غير موهوب أن يسجل حضوره الكوميدي وقعت كثير من المسرحيات العربية في مطب التهريج. ومن أبرز هذه المسرحيات، القريبة منا في الخليج، بعض المسرحيات الكويتية التي أنتجها ومثلها طارق العلي. في مصر، أيضا، سقط المسرح ذات حين، كما هي حال بعض الأفلام، في الإنتاج التجاري الذي يكتب ويمثل ويعرض في نفس اليوم، أي ذلك الإنتاج الذي يبحث عن الكاتب والممثل والمخرج الأرخص، الذي هو بالنتيجة أقل قدرة وموهبة، وأقل مسؤولية على المستوى الفكري والاجتماعي. في ذاكرتنا من العام الماضي أغلب حلقات (واي فاي) الرمضاني الذي بحث عن ضحكات المشاهدين بالمنقاش ولم يحصل عليها. ليست الحال، إذا، حكرا على شاب صغير وقف، بدون خبرة أو مسؤولية، على خشبة مسرح بالرياض وأطلق تلك البذاءات التي شاهدها الجميع، بل هي تتعدى ذلك إلى حالة عامة تدل على المستوى المطروح للإنتاج الفني العربي في أغلبه الأعم. لذلك أنا أحيي موقف ذلك المواطن الذي لم يتردد في رفع صوته ضد تلك البذاءة؛ لأنه بالنيابة عنا جميعا سجل موقفا علنيا من الاعتداء على أذواقنا وحضورنا لنصوص وأعمال من هذا النوع. وهو موقف بالضرورة سينسحب على الأعمال التي تعطى مساحة تلفزيونية كبيرة وترصع بمن يسمون نجوما ممن اختطفوا ساحة الفن والتمثيل بالصدفة أو بما تفرضه (الشللية) من فرص لهذا الشخص أو ذاك. في مقابل ذلك، لا أكاد أحصي عدد المرات التي استمتعت فيها واستفدت من أفلام كوميدية أجنبية، أمريكية بالذات؛ لأن تناولها للمفارقات والعلاقات الإنسانية تناول محترم ومحترف. وهو ما فرضته خبرة المشاهد وثقافته التي تجيد الفرز بين السخافة والكوميديا. وبالتالي، لا يجد المنتج الأمريكي مجالا واسعا للاستسهال أو سلق بضاعته الفنية؛ لأنه يعلم تمام العلم أنها ستبور وتخسر. وهذا هو رهاننا مع أدائنا وإنتاجنا الفني الكوميدي، أن يتعلم الناس كيف يفرزون الجيد من الرديء وكيف يسجلون مواقف واضحة وفاضحة للأعمال السيئة، كما فعل بالضبط مواطن الرياض. يبقى في ذمتي إشادة لا بد منها لبعض الأعمال الكوميدية العربية، القديمة منها بالذات. تلك الأعمال التي لا تزال بعض نصوصها تتردد كل يوم على ألسنتنا. [email protected]