بعد أن مضى العمر بكبار الكوميديا في المملكة والخليج، واستسلم بعضهم للواقع المتردي للفن التمثيلي، خلت الساحة لأقزام الكوميديا الذين لا يجيدون سوى التهريج والهقص ورص المشاهد مثل بقايا النفايات، صارت الكوميديا، ورمضان المنصرم شاهد على ذلك، مجرد استهتار بالآخرين والتعالي عليهم والاعتداء على خصوصياتهم، أكثر من ذلك تحولت هذه الكوميديا إلى زائر لسخافات (الكيك) وحركات المراهقين، أي أنها أصبحت بلا رسالة ولا هدف ولا طعم ولا رائحة. تذكروا أي مسلسل أو برنامج كوميدي مر بكم هذه السنة وستكتشفون أن التقزم هو سيد الموقف، والسبب هو أن هؤلاء الممثلين ومن يكتب ويخرج لهم مسلسلاتهم وبرامجهم بلا موهبة، هم مجرد (رقع) في وجه التلفزيون الذي لا بد أن يعبأ بشيء. والأشياء، إذا فقدت جديتها ومصداقيتها، أصبحت مؤذية بدلا من أن تكون محترمة ومفيدة ومسلية. وحتى نظرية (الجمهور عايز كده) لا تنطبق على سخافات كوميديا هذه السنة، لأن الجمهور، أيا كان مستواه، لا يمكن أن يقبل أن يوضع أمام خيارين لا ثالث لهما: التهريج والسخافة. والجمهور الذي ساءه الاستهتار بذوقه وانتظاراته، اضطر هذه السنة لتذكر المسلسل الشهير (طاش ما طاش) الذي بالرغم من وجود تحفظات فنية عليه أصبح إذا قورن بما قدم هذه السنة من أعظم الأعمال التي قدمت في تلفزيون رمضان، كان له على الأقل رسالة واضحة في نقد مفارقات المجتمع وبناء هوية مجتمعية متغيرة اتفق معها من اتفق واعترض عليها من اعترض. وهذا هو دور الفن، والفن الكوميدي بالذات، أن يلقي حجرا في المياه الراكدة ويلعب دورا في تشكيل ذهنية الجماهير والارتقاء بها إلى الأفضل. والمؤكد أن مجاميع إنتاج الكوميديا هذا العام غاب عنها هذا الهدف بالمرة، بل هي (سلقت) مسلسلاتها وبرامجها لتنتج بيضا فاسدا لا يسمن ولا يغني من جوع. وإلى أن نكتشف وجود مواهب حقيقية فسنبقى داخل الساحة ذاتها: ساحة الأقزام الذين قفزوا إلى بحر الكوميديا وهم لا يجيدون السباحة.