بما أن ليلة العيد تبان من عصاريها فقد شمر كبير البيت عن ملابسه وقفز على ظهر حمارته التي كان لديها ما يشبه الإلهام فاخترقت به مساريب القرية وانطلقت من بين الأسودين مرورا بالسواد (وأثر السواد الحسا وبشير وبشير، آثارهم مصر وأنحن ما درينا) وصل سوق الباحة وكان ربك ولا زال وسيظل كريما فبرغم أنه جاء بقليل من حب البلاد ليسعره ويقايض به لتلبية احتياجات البيت إلا أن أحد أصدقائه الأسخياء أقسم أن يبقى حبه في خرجه، ولبى له الضرورات وزنة لحمة وقليل من البن الخولاني مع الحوايج وبعيثران وكادي وتسيوق حتى الضحى وعاد أدراجه في ثلة من الحمارة، وكانت القرية أشبه بمنظومة اشتراكية من خلال الإنتاج وأدواته (المسلمون شركاء في الماء، والمرعى، والحطب) ولم يكن تعويل القرية على فقيهها كبيرا ذلك أن أمور الدين ميسورة والعلاقة مع الله نقية وصادقة وخالية من الوسطاء وإن كان له احترامه إلا أن العرف قانون يضبط تصرفات الجميع، كانت ربات البيوت يؤمن الشيدة (الجبس) يخترن أحجارا تدق وتعجن وتخلب بها جدران المنزل من الداخل ويستعن بالخبيرات في النقش والتطريز لرسم لوحات جمالية على بيوت المخدات والشراشف الداخلية التي تؤكد مواهب القرويات في الرسم بالحركات واللمسات. وفي صباح العيد تتكامل الفرحة فمن عنده اللحم عليه إعداد المرقة ومن لديه البر فالخبزة ومن لم يجد فتمر ومن لم يستطع فاللبن من البقرة أو السمن ومن تعذر عليه كل ذلك فليفرش منزله لتكون سفرة العيد فيه، وبما أن العيد فرحة فالتعبير عنها يكون من خلال الميدان عرضة ودق الزير وللنساء لعبهن وقصائدهن التي لها ملمس مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر، ومازالت قصيدة إحداهن تسكن ذاكرتي حين افتقدت زوجها يوم العيد فقالت (كل نهار العيد عايد حبيبه، وأنا حبيبي فالحرم يلتوي به) آه لذاك الزمن النقي نقاء السماء، الأخضر اخضرار أودية الباحة عيدكم الله رضاه ورحمة سماه وسلامتكم.