لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي ببرامجها المختلفة ترفا أو وسيلة ترفيه في حياتنا، فاستطاعت في فترة قصيرة أن تحتل جزءا عزيزا ومهما في حياة الناس وعنصرا مشتركا في قائمة اهتماماتهم. بل وفي أولوياتهم اليومية، فهي الرفيق الدائم أينما ذهب الناس في داخل بيوتهم وخارجها. المواقع الإلكترونية بمسمياتها المختلفة صارت الشغل الشاغل وقد تعزل الناس من محيطهم الاجتماعي، فيستغني الواحد منهم عن التواصل المباشر مع مجتمعه وعائلته، إذ اقتحمت البيوت وغرف النوم دون استئذان، فصارت هاجسا يؤرق الحياة ويستنزف الوقت. وقد ربط البعض بين انتشار هذه المواقع وبعض حالات التفكك الأسري، إذ ربطت الدراسات الاجتماعية بين انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ونسب الطلاق المرتفعة. فضلا عن دورها في توسيع الفجوة وإقصاء الحوار والتواصل في الأسرة الواحدة. في المقابل، هناك رأي آخر يعد المواقع الإلكترونية عاملا مساعدا في زيادة التواصل حتى داخل الأسرة الواحدة، مشيرين إلى أن حالات الطلاق الناتجة عن المواقع قليلة ونتجت عن عوامل أخرى موجودة في الأصل بين الأزواج ولا علاقة لها بمواقع التواصل. ولمعرفة الآراء المتباينة حول تأثير ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقتها بالتماسك والتفكك الأسري حققت «عكاظ» في الملف الهام واستمعت إلى آراء أطراف القضية. السيدة آمنة الجبالي تقول إنها تقضي نحو 4 ساعات يوميا أمام شاشات التواصل الاجتماعي، وترى أن الساعات الثماني فترة معقولة ومناسبة، فضلا أن زوجها وأولادها لا يشعرون بأي ضيق نتيجة وجودها المستمر على المواقع وينظر لها أفراد الأسرة على أنها مواقع تعزيز التواصل مع الآخرين والأقارب والأصدقاء، وتشير إلى أنها في إمكانها الإقلاع عن مواقع التواصل لساعات بسبب ذروة العمل المنزلي والانشغال بالأعباء العائلية، لكن الانقطاع لا يدوم طويلا فتعود ثانية، وزوجها متفهم للأمر ونادرا ما تحدث أزمات بينهما بسبب شغفها بالنت. كل في واد سلوى السفياني تشارك آمنة الجبالي ذات الرأي وتضيف أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى خصائص وضرورات العصر، ولم تعد تسبب أي مشكلات أسرية وعائلية في ضوء تفهم الزوجين لأهمية مثل هذه الوسائل، وإن كانت لا تنفي أن هذه الشبكات أسهمت في تراجع الحوار الأسري وخلقت عزلة بين أفراد الأسرة وخاصة الأبناء وتواصلهم مع أسرهم، وجعلت كلا منهم في واد بعيد عن الآخر. وترى منى المري -التي تقضي نحو ساعتين يوميا على شبكات التواصل الاجتماعي- أنها شخصيا لا تمثل هذه الشبكات لها أو لأسرتها أية مشكلات لكنها سمعت كثيرا عن مشكلات أسرية بسببها، خاصة أن هذه الشبكات زادت من الانعزال بين أفراد الأسرة، وتعود المري مستدركة: هذه الشبكات سلاح ذو حدين فلها فوائدها إذا أحسنا استخدامها ولها أضرارها إذا أسأنا استخدامها. وعلى ذات النسق، تقول لمياء السفياني إن مواقع التواصل الاجتماعي مجرد مواقع تعارف وجمع الأخبار ومن فوائدها تقصير المسافات ليكون الناس على تواصل دائم وفي أغلب الأحيان فإن كثرة ارتيادها قد تسبب أحيانا إهمالا في المسؤوليات المنزلية والأسرية وحدوث مشاكل وأزمات عائلية وتوترات بين الأزواج. ومن جانبها، تؤكد أم سلطان أن الإسراف في استخدام الشبكات يؤدي إلى هدم البيوت، وأكدت أنها تعرف بيوتا كثيرة انهارت بسبب هذه المواقع، إن لم يكن بسبب الخيانة الإلكترونية فبسبب ما تمخضت عنه من افتقاد الحوار والتقارب بين الأزواج والعائلة ككل. مواقع غير اجتماعية على الجانب الآخر.. الأزواج لهم رأي فهم الأكثر حرصا على متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والأكثر مكوثا أمام شاشاتها، وهنا يوضح الدكتور محمد عادل حفني أن هذه الشبكات كانت مفيدة له، خاصة حينما كان مبتعثا للدراسة بالخارج وظل يستخدمها كوسيلة للتواصل مع أهله وأصدقائه وتطورت شيئا فشيئا فأصبح يستخدمها مع أصدقائه المبتعثين في ذات المدينة، ومع مرور الوقت شعر أن مواقع التواصل الاجتماعي تقلل الزيارات المباشرة بين الأهل والأصدقاء، مضيفا أن هذه المواقع تشغل الإنسان عموما عن الاهتمام بأحوال الآخرين وتشغله عن قضاء أكبر وقت ممكن مع أسرته «للأسف أصبحت مواقع التواصل غير اجتماعية لما فيها من آثار سلبية خصوصا انعزال الشخص عن محيط أسرته وعدم التواصل المباشر مع معارفه عن طريق الزيارات المباشرة». يفسر محمد حسين ذلك بأن المواقع أصبحت مفيدة للغاية لأنها تبقي الإنسان على اطلاع دائم وتلبي كافة اهتماماته، فضلا عن إثارة الحوار الجاد في مختلف الموضوعات وتبادل الآراء بين الأصدقاء، لكنه عاد وأشار في نفس الوقت إلى خطورة المواقع حال استخدامها بصورة سالبة ومسيئةحيث تكشف أسرار البيوت، كما أنها تسببت في إحداث أزمات عائلية نتيجة عقد المقارنات مع الشخصيات الافتراضية الوهمية ورغبة الزوج في أن تكون زوجته مثل هذه وتلك. أما حسين شيخ فيقول إن تلك الشبكات جعلته مقصرا إلى حد ما في قضاء الوقت المناسب مع أفراد أسرته، وأكد أنه من الصعب وضع ضوابط لوسائل التقنية. ويعلل سري هروب الازواج إلى مثل هذه المواقع بالقول إن الزوج غالبا ما يجد في هذه المواقع من يشاركه الاهتمامات والتفكير، ويسهل عليه تبادل الحديث في أمور تشغل اهتماماتهم. فيما أوضح حمدان الغامدي -الذي تعرف على شبكات التواصل الاجتماعي قبل سبع سنوات تقريبا وباتت بالنسبة له شيئا لا يستطيع مفارقته كما يقول- أن هذه المواقع إيجابية شرط مراعاة الله سبحانه وتعالى في ما يتم الاطلاع عليه، وتجنب السلوك غير السوي في ذلك. نهاية الحوار الأسري ماذا يقول المختصون والخبراء عن انتشار المواقع الإلكترونية والاجتماعية وتحولها إلى ضرورة حياتية لا غنى عنها.. يذكر المستشار الاجتماعي الدكتور خالد الحارثي رئيس مركز اتجاهات الحياة للدراسات والاستشارات الاجتماعية أن هناك تأثيرا سلبيا قويا لهذه الشبكات على علاقات الأسرة والزوج والزوجة والدراسات التي أجريناها في المركز هذا العام 2015 حول أسباب ضعف الحوار الأسري أكدت أن نسبة 67% يعزون ذلك لوجود الأجهزة الذكية بين يدي أفراد الأسرة كافة في الأوقات المخصصة لاجتماع الأسرة كتناول الوجبات الغذائية الثلاث ومشاهدة برامج التلفزيون بشكل أسري والخروج للترفيه، والأمر اليوم، وللأسف الشديد، لم يعد بيد ولي الأمر في أن يسمح أو لا يسمح لأن وسائل التواصل وشرائح الاتصال متعددة ومتنوعة، وكل ممنوع مرغوب وقد فشلت طرق فرض أوقات معينة للدخول على وسائل التواصل الاجتماعي من الصغار في البيت إلى حد ما، والواقع يؤكد ما أثبتته الدراسات من أن نسبة الأطفال دون السادسة الذين يستخدمون الأجهزة الذكية مزودة بشبكة إنترنت أصبحت 38% وهذا يعني أننا أصبحنا أمام خطر متزايد بالفعل.. فكيف لنا أن نحرم هذا الطفل من استخدام جهاز قد وفرناه له؟ والطامة أن حوافز بعض مدارسنا أصبحت عبارة عن جهاز ذكي بدلا من كتاب. ردم الفجوة بين الأجيال الدكتور طلال خياط أستاذ العلاج بالطاقة والإرشاد النفسي يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت إلى حد ما في سد أو تضييق الفجوة بين الأجيال بما يتم تداوله من معلومات وأفكار قربت ووضحت طريقة التفكير السائدة بين الفئات العمرية المختلفة في المجتمع، ويقاس على ذلك أفراد الأسرة الواحدة بحيث أصبح الآباء والأمهات أكثر دراية بأسلوب الحوار مع أبنائهم، إلا أنها خلقت في الجانب السلبي عالما افتراضيا يندمج فيه أفراد الأسرة كل بمفرده، الأمر الذي زاد من حدة العزلة الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة. وأضاف أنه لا يفترض أن يسمح للأبناء ارتياد هذه المواقع والتفاعل معها إلا في سن لا يقل عن الخامسة عشرة، لكن ما يحدث أننا أصبحنا مرغمين على السماح لهم بارتياد تلك المواقع لتلبية ما تقتضيه الحالة التعليمية من تواصل مع المدرسة أو المعلمين لاستكمال بعض الفروض التعليمية أو الأنشطة اللاصفية ومع كل القيود التي تفرضها الأسرة إلا أن الأبناء أصبحوا من مرتادي تلك المواقع بشكل أو بآخر. خيانة إلكترونية في الغرب فيما يتعلق بتأثير مواقع التواصل الاجتماعية على الحياة الزوجية من وجهة نظر الدكتور خالد الحارثي فإن 8% من شبكات التواصل الاحتماعي، وأشار إلى دراسة أجريت العام الماضي حول اكتشاف الزوج لحسابات سرية دون علمه لزوجته بوسائل التواصل الاجتماعي وهل يعتبره ذلك خيانة زوجية؟ أكد 72% ب(نعم) مقابل 28% ب(لا). وأكدت فاطمة أن العديد من الدراسات في الغرب أثبتت ازدياد ظاهرة الطلاق بشكل كبير بسبب ما يسمى بالخيانة الإلكترونية، حيث شكلت حوالى 25% من أسباب الطلاق وفق دراسة استطلاعية قامت بها نقابة المحامين الألمان استنادا على استفتاء بين 100 محام من المتخصصين في حالات الطلاق، ورصدت الولاياتالمتحدة أن 66% من حالات الطلاق بسبب الفيس بوك، في حين اتهمت دراسة بريطانية (2011) شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وراء ثلث حالات الطلاق، بينما شبكة «تويتر» تقف وراء 4% من حالات الانفصال في بريطانيا. نشر الصمت الزوجي أرجعت فاطمة لجوء الأزواج المسرف لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي إلى انتشار ظاهرة الصمت الزوجي، وهي من أخطر الظواهر التي تفشت في الأسر، وتعتبر مسمارا في نعش الحياة الزوجية، وترجع ذلك إلى عدة أسباب، فقد ينشأ الزوجان في بيت يعاني من هذا المرض فيتوارثانه، ولا يستطيعان التخلص منه، أو يرجع لفتور المشاعر بينهما، أو عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والاحتياجات والأفكار بأساليب صحيحة، أو تناقض آرائهما في أمور الحياة والاختلاف الحاد والمتناقض في الطباع والتفكير والميول، أو عدم قدرة أحد الطرفين أو كليهما على إدارة حوار ناجح وفعال حيث تسود اللغة الهجومية في مناخ الحديث الزوجي. وبالتالي يؤدي ذلك كله إلى بحث الطرف المتضرر عن بديل من خلال بناء علاقة افتراضية للتنفيس عن ذاته وإشباع احتياجاته ومشاعره النابعة من الفراغ العاطفي. وترى أم السعد كدوه (تخصص خدمة اجتماعية طبية) أن البعض يستخدم تلك المواقع في غير محلها مثل استخدامها كمنبر للنميمة ولكنها أكدت أن القروبات العائلية مفيدة إذا استحسن استخدامها. خوف من شريك الحياة الأخصائية الاجتماعية والمستشارة الأسرية فاطمة على حنبظاظة ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي أداة للتواصل والتعرف على وجهات النظر المختلفة باختلاف الثقافات، ويجب ألا يسبب استخدام الشريك لها خوفا لدى الشريك الآخر، لكن مع عوامل عدة كالتمادي وقضاء الساعات الطويلة في استخدام هذه المواقع، بالإضافة إلى سهولة إزالة الحواجز أدى إلى إغراء بعض المتزوجين والمتزوجات (خصوصا ضعاف النفوس) للبحث عن علاقات جديدة خارج الإطار الزوجي، مما أثّر سلبا في الوضع الأسري، ولم يقف أثرها عند هذا الحد بل امتد ليشمل جميع أفراد الأسرة، حيث ساهم غياب لغة الحوار وندرة اجتماع الأسرة على موضوع هادف، وساهمت في عزلة أفراد الأسرة الواحدة وتفضيلهم التواصل عبر مواقع الإنترنت بدلا من التواصل المباشر وجها لوجه داخل الأسرة.