أفرز الكبت الاجتماعي والجفاف العاطفي الذي تعيشه بعض الأسر، تصرفات سلبية انعكست على الجوانب اليومية والحياة الاجتماعية، ولم يجد المتضررون من الفتور في العلاقات الأسرية مناصا من الهرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن ملجأ يقيهم لهيب الفتور. وأدى البرود العاطفي بين أفراد الأسرة الواحدة لتهيئة مواقع التواصل لتكون أرضا خصبة للخيانات الزوجية، إذ يحمل «سلطان» العادات الاجتماعية الذنب قياسا على حالته، يقول « دفعني الزواج التقليدي للبحث عن العاطفة خارج المؤسسة التي يتوجب علي العيش داخل إطارها». ويضيف « بعد أن باءت جميع محاولات استنطاق العاطفة لدى زوجتي، توجهت إلى المواقع الإلكترونية وفيها بدأت أقرأ وأبحث عن الأقلام ذات الإحساس العالي في التعبير، الأمر الذي تحول بعد فترة إلى حالة من الإدمان لتتجاوز ساعات البقاء على تلك المواقع معدل عشر ساعات بشكل يومي». ويذكر سلطان أن العلاقات عبر مواقع التواصل تتجاوز الأحاديث والدردشة للتطور مع الوقت إلى ما هو أكبر من ذلك، وتبدأ بالتدرج كتابية ثم صوتية حتى تصل للمرئية. وتروي «شجون الدمع» قصتها في ظل الشتات الأسري والإهمال الذي ميز علاقتها الزوجية مع رجل كرس اهتماماته للأصدقاء والسهر في المقاهي « دخلت قفص الزوجية نزولا عند رغبة والدي، الذي أكرهني على الزواج من شاب تربطنا به صلة قرابة، ومع مرور الأيام وجدت أن له اهتماماته التي تفوق وجودي معه كزوجه». وتستطرد « دفعتني صديقاتي لإشباع رغبتي الباحثة عن المشاعر الرومانسية ولم يتجاوز تفكيري مجرد التصفح والقراءة، ومحاولة الاكتفاء». وتذكر «شجون» أنها عطفا على شخصيتها الرومانسية وانجرافها خلف العبارات العاطفية علقت بسنارة شاب منحها من طرف اللسان حلاوة، ولكنه ما لبث أن لدغها، تقول « وجدت نفسي أقبل عليه، تحدثت معه بادلني الحوار أبهرني بأسلوبه الرقيق الذي أحيا فيض مشاعري، وكنت أنتظر الساعات للحديث معه لكنه ما لبث أن انقشع القناع واكتشفت أنه يبحث في المواقع عن عذب الكلام وينسبه لنفسه للنيل من قلوب الفتيات، وبلوغ أهدافه». من جهته، يقول التربوي وأخصائي التوجيه الأسري عبدالعزيز آل حسن إن الله بين أسباب السعادة والطمأنينة الزوجية والأسرية ومفاهيم بناء الأسرة المسلمة التي تقوم على عناصر وهي الحب والاحترام والتفاهم والتعاون والانتماء والصداقة. إضافة إلى مقومات التكامل الأسري وهي المقومات الدينية والاقتصادية والصحية والنفسية (العاطفية) والبنائية. ونوه إلى أنه في حال فقد المقومات أو تراخي شيء منها فستكون النتيجة تفككا وانهيارا. ولكي تقوى تلك العناصر فإنها تحتاج إلى العاطفة الأسرية كركيزة ترابطية تجمع بين العناصر والعوامل والتي أصبحت حاجة ملحة لكلا الجنسين وأصبح البحث عن إشباعها هدفا ربما يكون رئيسا لكثير ممن فقدها أو بدأ في فقدانها. وأشار آل حسن إلى أنها تعددت وسائل البحث حتى أصبح من أشهرها المواقع الإلكترونية التي تشبع إلى حد ما المفقودات وتدفع من يشعرون بالنقص إلى الغوص في أعماقها. وذكر أن الباحثين عن العاطفة في مواقع التواصل لا يلبثون أن يقعوا فريسة لأهوائها وبراثنها فأسهب ووضح وشرح وفصل ما يمر به من مشاكل أسرية ليكشف المستور، ويبين الخفايا ويفشي الأسرار بغية البحث عن حل كالغريق الذي يتعلق ولو بقشة وتسبب هذا الانفتاح إلى ظهور المشاكل الأسرية واللهث خلف أوهام الحلول وإغلاق الأفواه والجري خلف ممن يضعون الحلول الوهمية التي تشبع غرائزهم الجنسية المحرمة. وتذكر المستخدمة «أصيلة عروقي» أن موقع الفيس بوك على سبيل المثال لا الحصر له إيجابياته وسلبياته إذ أنه يسهم في دفع عجلة الحراك الأدبي ويغذي الوعي لدى الناس وعلى وجه الخصوص الشباب . وتضيف أنه يسهم في دعم الحوار المثمر الذي من أهم أدواته، التواصل ..الذي يعزز مفهوم التعايش والتآلف بين العلاقات البشرية على المستوى المحلي والعالمي. وحول البحث عن العاطفة المفقودة في الجو الأسري تقول «أصيلة» هناك شريحة سلبيه في تعاملها مع أدوات التواصل وبدل من تعزيز مفهوم التواصل إلا أنها تمزق وتعطب وتجمد التواصل من خلال علاقات افتراضية وهمية هي من صنع لوحة المفاتيح. وتشير إلى أن إدمان الشبكات والتواصل بطريقة سلبية يؤثر بصورة فعلية وكبيره على التواصل الاجتماعي الواقعي ما يؤثر سلبا على العلاقات الفعلية بين أفراد الاسرة الواحدة،فكل فرد له عالمه الخاص به بعيدا عن قيود الحياة. وتنوه أصيلة إلى أن مدمني العلاقات الحميمية لا يشعرون بخطورة العلاقات، بل يتفاخرون بها، فالزوج ربما يهرب إلى عالم افتراضي وشخوص رقمية ليخرج من واقع مرير لا يقدر مجهوده وعطاءه، أو يبحث عن الكمال بعيدا عن واقعه الناقص. وفيما يخص الزوجة تقول « تنجرف الزوجة خلف أحلام لم تلمسها في الواقع مع أشباح وذئاب يتربصون بها في العالم الرقمي، وتتوهم كمال ما ينقصها أو تبحث لها عن وهم لتعيشه». وتذكر أصيلة أن العلاقات الإلكترونية غالبية نتائجها تكون متوحشة بالسواد والألم ولا تحمد عواقبها في ظل غياب الوعي وانشغال أفراد الأسر كل بأهوائه وتزايد أعداد الذئاب البشرية. ويشير المستخدم « غالي الأثمان» إلى أن المناقشات على موقع الفيس بوك تبدأ بموضوعات عامة، ثم تتحول إلى علاقات عاطفية وهذا أمر محتمل الحدوث ولا يبدو غريبا؛ لأن هذا الموضوع يتوقف على نوع المستخدمين لهذا الموقع، فمثلا لو تبادل المستخدمون الحديث ووجدوا اهتمامات مشتركة بينهم وآرائهم متشابهة ومعتقدين فى نفس الأشياء فمن الطبيعى جدا أن يشعروا بميل عاطفي. وعن كيفية التعامل مع هذه المواقع وخاصة انتشارها بين فئات كثيرة من المجتمع المختلفة فى تعليمها وثقافتها وآرائها يقول: الغرض من استخدام هذه المواقع يحدد إلى مدى بعيد تطور العلاقة وأيضا تربية الشخص هل التربية محافظة، متحررة وحسب نوع المجتمع الذى ينتمي إليه الفرد.لذلك عند التعامل مع الإنترنت يحمل الشخص عادات وقيم مجتمعه وكذلك تربيته فيستخدم ألفاظا ويتعامل ويتناقش بما ينم عن مجتمعه. و أظهر استطلاع للرأي أن استخدام وسائل الاتصال الحديثة في إنهاء العلاقات آخذا في التصاعد إذ تزايد عدد الأشخاص الذين يفضلون استخدام البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الأنترنت في إنهاء علاقتهم مع الطرف الآخر. وقال نحو 34 % من بين 2000 شخص شاركوا في الاستطلاع أنهم أنهوا علاقة عاطفية عن طريق البريد الإلكتروني، بينما أشار 13 % أنهم غيروا حالتهم الاجتماعية على موقع فيس بوك دون إخطار شركائهم، فى حين أجاب 6 % بإذاعة الخبر بشكل منفرد عبر موقع تويتر. وفي المقابل قام 2 % فقط بإنهاء العلاقة مع الطرف الآخر عن طريق رسالة نصية بالهاتف المحمول. وأنهى 38 % العلاقة مع الطرف الآخر بالأسلوب التقليدي عن طريق المحادثة وجها لوجه، وكانت نسبة من أنهوا العلاقة عن طريق التليفون الأرضي نحو 8 %. وقال شين وود مدير التسويق في شركة DateTheUK التي أجرت الاستطلاع أن «استخدام الوسائل الرقمية سيسيطر على كل شيء قريبا عندما يتعلق الأمر بإنهاء علاقة».