استقبل أبناء المملكة الأوامر الملكية الأخيرة بالاستبشار والابتهاج، وبتفاؤلٍ كبيرٍ بمستقبل هذا الوطن، وبالدعاء بأن يحمي الله سبحانه وتعالى هذا البلد وقيادته، إلا أن بعض مشاعر الحزن تأبى إلا أن تتسرب للنفوس وهي تستمع إلى الأمر الملكي بالاستجابة لطلب سعود الفيصل التنحي جزئيا عن مهام وزارة الخارجية، إنني أذكر سعود الفيصل بالاسم مجردا من الألقاب؛ لأن الأمة ترى أن الألقاب مهما حملت من معانٍ أو تزيت بمضامين هي دون شخص كسعود الذي أعاد صوت فيصل بن عبدالعزيز وصولاته وجولاته التي سجلها التاريخ في أنصع الصفحات، ولا تزال الأمة تدعو له كلما ذكرته وما أكثر ما تذكره بالرحمة والمغفرة وعلو الدرجات. وسعود الفيصل هو أنشودة السياسة العالمية، هو كنز أدرك قيمته الأعداء قبل الأصدقاء. شخصية نادرة في عالم السياسة، وماهرة في حقول الدبلوماسية، فقد غير في كثير من مفاهيمها وسلوكياتها، ولم لا وأنت أيها الفيصل السياسي الماهر في وضوحك وصراحتك، فلم تمثل يوما ولم تقل كلمة ندمت على قولها طوال حياتك. إذا كان الجميع ردد يوم تنحيه: قال الوداع وقلت يا سعود بدري قال المرض متعب ولا عاد بي حيل قلت المرض كله تجمع بصدري يوم أعلنوا ذاك الخبر تالي الليل فلقد كان رجع صدى هذه الكلمات في صدر كل سعودي قيادة وعامة، فالأمة تحزن لفقد الشخصية الصادقة المخلصة من ميدان العمل، سواء كليا أو جزئيا كما فعل سعود. إن الأمة تدعو الله لك بالصحة والسعادة يا سعود، وهي لن توفيك حقك. فحقك لا يمكن أن يقابل إلا بصادق الدعاء. الأمة، يا سعود، أحبت فيك رؤيتك فوق كل منصة تنافح عن معتقدك وعن بلدك، لقد أتعبت من أتى وسيأتي بعدك وإننا لندرك عن يقين أن خادم الحرمين الشريفين كان أكثرنا حزنا ليقبل منك طلب التخفيف عنك؛ لأنكما من مدرسة واحدة، فكرا ووطنية وحرصا وإخلاصا وسلوكا. متعك الله بالصحة والعافية، وأمدك بالقوة، وجعل في خلفك كل الخير والتوفيق والفلاح.