في وقت يصارع الكثير من موظفي القطاع الحكومي، خاصة التعليم، من أجل الظفر بالتأمين الطبي، كحل بديل لما يعتبرونه نقصا وسوءا في المستشفيات الحكومية، يعتقد الكثير من المستحقين للتأمين الطبي العاملين في القطاع الخاص، أن تلاعب الشركات جرد التأمين من جدواه، في ظل غياب الرقابة أو ضعف الأنظمة التي تجرم مثل هذا التلاعب. ويوما بعد يوم تمتنع شركة ما عن سداد مستحقات علاج أو جراحة عاجلة لمريض، أو فاتورة أدوية لمريض آخر، رغم حرج الحالة، ولا يجد المريض طريقة يسترد بها عافيته، أو يستعيد بموجبها قيمة الفاتورة التي دفعها. ولأنه الضحية يقف عاجزا عن عمل أي شيء سوى الصراخ، والألم، فيما الشركات تتضاعف أرباحها، والمستشفيات يتضاعف زوارها، والمرضى تتفاقم أوجاعهم، فلماذا يظل المريض هو الضحية دائما، وهل التأمين الطبي الغرض منه تكافلي، لإنقاذ الحالات في الأوقات العصيبة، أم أنه بات مستغلا من قبل البعض ليرفع من قيمة أسهمه. وفي ظل اللغط الدائر والمشكلة التي لا تنتهي بين شركات التأمين والمستشفيات، والجدل بين الأطراف وكل يرمي باللائمة على الآخر، يرى مختصون أن غياب الرقابة أوجد الكثير من المشكلات بين شركات التأمين الصحي والمستشفيات والتي يذهب ضحيتها المريض، مشيرين إلى أن عدم وجود تسعيرة واضحة للعمليات الجراحية والكشف الطبي وغير ذلك من الخدمات أوجد الكثير من الإشكاليات. ولفتوا إلى أهمية التأمين باعتباره نظاما صحيا عالميا معمولا به ومطبقا في جميع دول العالم، ويتضمن تقديم خدمة العلاج للمستفيد سواء (مواطن، مقيم)، وفق نظام تتحمل فيه الشركات أو المؤسسات أو الأفراد التكاليف المالية لعلاج المؤمن لهم، من خلال الاشتراك مع شركة تأمين تقدم الخدمة، وتمنح الوثيقة الخاصة بالعلاج، وفق شروط محددة، على أن لا يترتب على المرضى تحمل أي تكاليف ناتجة عن استغلال المشروع أو دون وجه حق. وأكدوا على ضرورة إعادة النظر في لوائح شركات التأمين والمستشفيات على أن تكون الأسعار موحدة وفقا لدرجات المستشفيات الكبيرة والصغيرة. أزمة ثقة والمستشفيات تخشى «تعكير» الأجواء يعتقد أستاذ مساعد طب المجتمع وكيل كلية الطب ورئيس قسم الصحة العامة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمود عبدالرحمن محمود، أن امتناع شركات التأمين عن تغطية كلفة العلاج قبل وصول الموافقة من قبلها، يرجع لوجود رقابة في العلاقة بينها وبين مقدم الخدمة كون الطرفين ينشدان الربحية في تعاملاتهما، وقد تكون هناك أحيانا أزمة ثقة فعلى سبيل المثال ما يقرره طرف لحامل أن تضع عن طريق العملية القيصرية قد يقرر طرف آخر أن فرص الولادة الطبيعية قائمة. وقال: رغم أن هناك تعميما وزاريا بأنه في حال لم ترد الشركة على الطلب في غضون ساعة يعتبر موافقة على التدخل العلاجي، إلا أنه وبالممارسة فإن جل المستشفيات الخاصة لا تطبقه إلا في حدود بسبب عدم رغبتها في توتر العلاقة مع شركات التأمين ويبقى المؤمن عليه هو الضحية أسوة ببعض شركات التأمين على السيارات. متعبون جداً في التعامل مع المرضى والأطباء قال البروفيسور حسن صالح جمال عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز، إن شركات التأمين للأسف الشديد ومع احترامي للمسؤولين عنها متعبة جداً في التعامل مع المريض، وكأن المريض يرغب في عمل فحوصات وتحاليل إضافية دون داع. وأكد أنهم لا يحترمون الأطباء في وجهات نظرهم وخبرتهم الطويلة، وأنا أطالب هنا بشيء من المرونة وتفهم الحالات المرضية وحاجة المريض لبعض الفحوصات والتحاليل المطلوبة ولا يضعوا حملاً ثقيلاً على المريض وأسرته في رفض بعض الإجراءات الضرورية وضياع الوقت في مراسلات لا داعي لها. الحل في دفع الشركة التكلفة وتحمل المستشفى القرار أوضح وكيل وزارة الصحة الأسبق للتخطيط الدكتور عثمان الربيعة، أن التأمين الإلزامي يقوم بتغطية الخدمات الطبية الأساسية وقيمة قسط التأمين منخفضة، ولائحة الضمان الصحي التعاوني وضعت حداً أعلى لتكلفة المراجعة والفحوص في العيادة، وما زاد عنها يتطلب أخذ موافقة شركة التأمين خلال مدة لا تزيد على ساعة، وكذلك الموافقة على التنويم إذا قرر الطبيب ذلك. وبين أنه على ذلك يحصل الخلاف بين الشركة والعيادة أو المستشفى فى تقدير الحالة، لأن الشركة - وهي أهلية تجارية - لا تريد أن تخسر، والمستشفى يريد أن يربح، ولا أحد يسأل ماذا يريد المريض. وقال: الحل معروف وهو أن يتحمل المستشفى مسؤولية القرار وتتحمل الشركة دفع التكلفة، بحيث يحصل المريض على العلاج الذي تقتضيه حالته بدون تعطيل، ويبقى للشركة حق تدقيق الفاتورة في ضوء ملف المريض، والتقدم بالشكوى إلى الجهة القانونية المختصة في حالة الشك أو فك العلاقة مع المستشفى. راقبوهم بصرامة حتى لا تتوسع دائرة الاستغلال اعتبر الخبير الدكتور عبدالرحمن كماس، التأمين الصحي وجد لخدمة أفراد المجتمع عبر برنامج يغطي تكاليف علاج الأمراض التي تصيب أفراد المجتمع بموجب وثيقة تأمين رسمية تسمح بتقديم رعاية صحية متقدمة لهم في مختلف المستشفيات الخاصة مقابل اشتراك مالي سنوي عن كل شخص، وبالطبع فإن وجود التأمين الطبي أصبح ضرورة من ضروريات الحياة. وأكد أن هناك الكثير من المشاكل التي وجدت بسبب التأمين سواء في شركات التأمين أو المستشفيات نتيجة أخطاء في تطبيق النظام كما ينبغي، بحيث لا يتحمل المريض أي تكاليف علاجية خارجية على نفقته ولكن ما يحدث في كثير من الأحيان أن يقرر المستشفى مبلغا وقدره على عملية جراحية بينما تأتي موافقة شركة التأمين على مبلغ محدد يكون أقل من الذي حدده المستشفى، وهنا بالطبع يكون المريض هو الضحية وملزما في دفع الفرق في المبلغ، فالمستشفى يريد الربح وشركة التأمين تسعى لعدم الخسارة، والضحية المريض الذي يكون مجبرا على تحمل التكاليف. وأشار إلى أنه من وجهة نظري لابد أن تكون هناك رقابة صارمة على ألاعيب المستشفيات وشركات التأمين حتى لا تتوسع دائرة استغلال التأمين والمستشفيات للمريض الغلبان، ومن هنا أتمنى أن تكون هناك جهة رقابية ميدانية على المستشفيات لرصد شكاوى المرضى وأيضا على شركات التأمين للتأكد من عدم استغلالها، ووضع عقوبات صارمة على المخالفين. العراقيل للبحث عن مكاسب غير نظامية رفض خبير الإدارة الصحية البروفيسور رضا خليل، امتناع شركات التأمين عن تغطية بعض الأمراض ومطالبتها بالحصول على الموافقة قبل تقديم بعض الخدمات مثل الأشعة والعمليات وغيرها رغم أنها قد تكون عاجلة أحيانا، واصفا الأمر بأنه غير مقبول وغير نظامي، والمطلوب الرقابة الشديدة من قبل مجلس الضمان الصحي لرفع معاناة المؤمن عليهم طبياً. ويرى الدكتور نزار خضري، أن شركات التأمين في الأخير تسعى للربح وبالتالي فإنه تسعى في بعض الأحيان لوضع العراقيل حتى لا تتكبد دفع مصاريف العلاج، وهنا لابد أن يكون هناك جهاز رقابي ذو صلاحية قوية لمتابعة أداء شركات التأمين ومدى ما تقدمه من خدمة ومستوى الخدمة وسرعة التجاوب مع المريض. الزموهم بتغطية «المزمنة» بعد الستين يشدد الباحث محمد فلمبان على أهمية التأمين الصحي ودوره في توفير الخدمة العلاجية لأفراد المجتمع، حيث إن وثائق التأمين تغطي التداوي داخل المستشفى، الحالات الطارئة، الفحوصات الطبية، مصاريف الأدوية، مصاريف العيادات الخارجية، العمليات الجراحية، وغير ذلك من اوجه الخدمات الصحية، وبالتالي لابد أن تكون العلاقة القائمة بين الأطراف الثلاثة قائمة على الثقة دون عراقيل يذهب ضحيتها المريض المؤمن عليه. وبين أن هناك عدم شمولية لبعض الأمراض مثل السكري والضغط بعد سن الستين لدى بعض شركات التأمين الصحي التي تؤمن على الأفراد العاديين وليس التابعين للشركات أو المؤسسات وهذا بالطبع أمر يخالف توجه التأمين الصحي، والهدف الذي وجد من أجله، حيث إنه يفترض ألا تتجاهل أو تغفل شركات التأمين الفئة التي تجاوزت الستين بمبرر أن استهلاك الفرد للأدوية في هذه المرحلة سيكون كبيرا، وبالتالي قد يترتب على ذلك تجاوز سقف تغطية التأمين، فالإنسان معرض للأمراض المزمنة في أي وقت، كما أن الفرد بعد سن التقاعد بحاجة إلى تغطية شاملة لصحته، لذا اتمنى واضم صوتي لصوت كل من ينادي بفرض بند جديد على شركات التأمين يسمح بإضافة الأمراض المزمنة للأفراد بعد سن الستين.