تعاني العلاقة بين المستشفيات الأهلية وشركات التأمين حالة من التذبذب والغموض، ولا شيء واضح إلا المريض الذي يعتبر الضحية في المعادلة الثنائية بين الطرفين. وتتجلى معاناة الكثير من مراجعي المرافق الصحية الخاصة في العلاقة بينها وبين شركات التأمين والتأخر في الرد على الحالات المرضية، إضافة للخطط العلاجية و الاستغلال التجاري لبعض الحالات ومحاولة استنزافها من قبل بعض الأطباء. التقينا بعدد من المرضى المستفيدين من التأمين الطبي الذين أبدوا استياءهم من الخدمات المقدمة متسائلين عن أهمية التأمين الطبي طالما أن شركات التأمين تقبض مبالغ مالية وتحصل هذه المنشآت الطبية على أجرة نظير خدماتها المقدمة. عبدالله حسن الجهني يعمل في القطاع الخاص أوضح أنه ينزعج تماماً من مفردة يطلقها الطبيب بمجرد دخوله: (كاش ولا تأمين)، وهذا يدلل على أن هناك معاملة خاصة لمن يدفع نقداً، ومن يتعامل في التأمين. ويرى غلام جاد الحق (عامل بناء) أن التأمين الذي اصدره أثناء تجديد الإقامة وجد أنه لا قيمة له، وأنه فقط لإنهاء الإجراءات، ومع أنه يحمل تأمينا طبيا إلا أنه يدفع نقداً لعلاجه، موضحاً أنه يأمل أن يكون التأمين من قبل الكفيل شاملا وليس بهذا الشكل الوهمي. فيما يشير رضوان مفتي إلى أنه يحمل تأمينا طبياً شاملا من إحدى الشركات الكبرى في هذا المجال إلا أن نوعية الأدوية التي تصرف له ذات القيمة الأرخص، فيما يحصل المريض الذي يدفع نقداً على وصفة طبية بأدوية ذات جدوى فعالية أكثر من غيرها. ويؤكد إسحاق موصلي أن التأمين الطبي مهم للغاية حيث لا يدفع إلا رسوماً بسيطة، فيما يأخذ أدوية مجانية، إلا أن ما يضايقه هو طريقة التعامل من موظفي الاستقبال وكأنهم يتسولون منهم. ويقول مرزوق الشاطر، أنتظر لأكثر من ساعة لكي يأخذ المستشفى موافقة من التأمين على علاج لأسناني وهل يدخل في نطاق التأمين أم لا، مضيفاً أنه حدث ذلك أيضاً مع زوجته حين طلب أخذ موافقة لإزالة أكياس دهنية في الجلد بجهاز الليزر، وبقينا ننتظر إلى أن جاءت الموافقة. «عكاظ الأسبوعية» تحدث إلى الخبير التأميني عادل الحمودي، حول المشاكل التي تعانيها شركات التأمين من قبل المستشفيات وهل هناك مبالغات من قبل المنشآت الطبية الخاصة في التشخيص وقيمة الفواتير الطبية، فأوضح أن هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها شركات التأمين وأن المبالغات مشكلة تعاني منها، فيما ينتظر أن تكون هناك حلول من قبل مجلس الضمان الصحي. وأضاف الحمودي أن المستشفيات والعيادات لديها مستهدف، فيما تحمّل التأمين كل الأعباء المالية دون وجه حق، مشيرا إلى أن شركات التأمين تكتشف الكثير من حالات الاحتيال من قبل بعض المستشفيات التي ترسل لنا كشوفات وأدوية ومطالبات مالية (طويلة عريضة) فيما المريض لم يقم بزيارتهم أصلا. ويستطرد الحمودي أن لدى شركات إدارات لكشف الاحتيال، وطبيعتها البحث في المبالغات والتفاصيل والإجراءات المتبعة من قبل المستشفيات، مضيفاً أنه في الحالات التي تضبط يتم إلغاء التعاقد من المستشفى المذكور، وننتظر أن يقوم مجلس الضمان الصحي بإجراءات حيال تلك الحالات المضبوطة. وأكد المواطن أحمد العقيلي وجود مماطلة من قبل بعض شركات التأمين في الموافقة على العلاج إضافة لتأخير يصل إلى حد التعمد وخاصة في حالات الولادة للسيدات. فيما روى سالم الزهراني معاناته مع شركات التامين حيث إن ابنه تعرض لمرض عند ولادته ولم يجد الاستجابة السريعة في إرسال الموافقات للمستشفيات للبدء في الخطة العلاجية، مضيفا اضطر للدفع لتسريع عملية العلاج لحين ورود الموافقات . وذكر المواطن عمر الفندي أن بعض الشركات تتعمد عدم إعطاء الموافقة لعلاج بعض الأمراض ومنها العمليات الكبيرة، مضيفا «نتحمل تكاليف العملية من جراحة وتنويم ومتابعة بعد العملية». وأشار إلى أن رسوم شركات التأمين زادت 20 % عند الصيدليات ورسوم الدخول على الطبيب مما يثقل كاهل المواطن البسيط والذي يلجأ للتأمين لعلاجه وعلاج أطفاله وهناك تعذر دائم من قبل المسؤولين بهذه المستشفيات بحجج واهية لا أساس لها، مطالبا بزيادة وعي المواطنين بحقوقهم في التأمين وهناك رمي للمسؤولين بين الجهات من المستشفيات والشركات والأنظمة. وطالبت بشاير المحمدي بضرورة سن عقوبات رادعة على المستشفيات الخاصة التي تتلاعب على حساب صحة العميل من أجل تحقيق المزيد من الأرباح من خلال شركات التأمين التي تماطل في كثير من الأحيان في دفع التأمين الطبي ما أسفر عنه رفع عدة شكاوى ضد بعض شركات التأمين من قبل بعض المتضررين من العملاء أصحاب التأمين الطبي. المواطن حامد القحطاني أشار إلى أن وجود مبالغة في الفحوصات والتحاليل للمرضى بهدف الكسب المادي البحت، لافتاً إلى أن المريض يتوقع أن يجد رعاية طبية مناسبة تحافظ على الحالة النفسية لديه وليس المبالغة في التحاليل والفحوصات وغيرها من الخدمات المقدمة له مما قد يؤثر على الحالة النفسية للمريض. ودعا القحطاني إلى أن تراعى الجوانب النفسية للمريض عند مراجعة تلك المستشفيات وترك محاولات الإقناع لعمل المزيد من التحاليل والإشاعات بهدف العلاج، مؤكداً أن ذلك يتسبب للمريض في حالة من الخوف والمزيد من الشكوك النفسية في الصحة العامة. من جهته أوضح الدكتور مراد زريقات مدير تنفيذي بشركة التعاونية للتأمين أن العلاقة ما بين شركات التأمين ومزودي الخدمات الطبية سواء المستشفيات أو المراكز الطبية أو العيادات أو الصيدليات علاقة جدلية غير واضحة المعالم على الأقل حتى هذه اللحظة في المملكة، فبدلاً من أن تكون هذه العلاقة علاقة تكامل يكمل فيها كل طرف الآخر إلا أن العلاقة يشوبها الكثير من المشاكل والتي تتمثل في عدم وجود مدونة سلوك تمثل العلاقة ما بين هذين الطرفين، بحيث تحدد حقوق وواجبات كل طرف. وأكد نائب الرئيس التنفيذي لشركة وفا للتأمين خالد الدغيثر أن المبالغة في الأسعار أمر مستمر وأن السؤال الدائم من الأطباء للمرضى كاش أو تأمين لوضع الخطة العلاجية له، كل هذه الأمور تضر بالتأمين والمواطن الذي يواجه ارتفاع أسعار التأمين الصحي مستقبلا. وأضاف أن 90 % من الشركات متعاقدة مع شركات وسيطة لتقديم خدمات أون لاين لعدم التأخير في الردود على المستشفيات وعدم تجاوزها الوقت النظامي، مشيرا إلى أن التأمين على القطاع الخاص والمواطنون فيه والوافدون قطاع كبير. وبين أن أكثر من 2500 منشأة صحية تقدم العلاج لهم وأن استمرار الوضع سيرفع أسعار التأمين، مؤكدا في الوقت نفسه أن التأمين على المواطنين صعب حاليا بسبب كلفة العلاج والميزانيات الإضافية للجهات الحكومية. وأشار المتحدث الرسمي باسم مجلس الضمان الصحي التعاوني نايف الريفي إلى أن جميع طلبات الموافقة على إجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية التي يتم إرسالها من قبل المستشفيات والمراكز الصحية إلى شركات التأمين يجب الرد عليها خلال 60 دقيقه وتأخذ صفة القبول في حال عدم الرد خلال هذه المدة، كما أن المجلس يسعى للقيام بمسؤولياته المناطة به. كما أوضح نايف الريفي الناطق باسم مجلس الضمان الصحي التعاوني أن تحديد الأسعار ما بين شركات التأمين الطبي والمرافق الصحية المقدمة للخدمة ليست من مسوؤلية مجلس الضمان الصحي وإنما هي علاقة يحددها الطرفان فقط فهي علاقة تجارية بحتة يقوم فيها المرفق الطبي بتحديد الأسعار للأدوية الطبية والخدمة العلاجية وعرضها على شركات التأمين وتقوم هي الأخرى بالموافقة على تلك الأسعار أو عدمها. وعن تسجيل مجلس الضمان الصحي لحالات شكاوى من محاولة امتهان من بعض مقدمي الخدمات من المرافق الصحية من خلال استنزاف المواطن في الدخول في المزيد التحاليل والإشاعات والفحوصات الطبية وفتح الجانب التجاري في هذا الشأن، أشار الريفي إلى أنه من المفترض أن تعرف شركات التأمين ما قد يضر بها، حيث يتوقف الأمر على موافقتها لهذا التوجه من عدمه من حيث تغطيتها أو عدم تغطيتها لتلك الخدمات العلاجية. و استغرب رئيس لجنة التأمين بغرفة الشرقية صلاح الجبر الاتهامات التي يوجهها القطاع الصحي الخاص لشركات التأمين بشأن طلبها أقل الأسعار وكذلك إصرارها على الحصول على خصومات، مشيرا إلى أن الجميع يدرك أن العلاج خدمة إنسانية لا تهاون فيها، وشدد على أن شركات التأمين كغيرها من الشركات الربحية تطلب الخصومات للحصول على السعر المناسب، بيد أن ذلك لا ينسحب على نوعية الخدمة الطبية المقدمة للمرضى. وألمح إلى إن شركات التأمين تتفاوض مع المستشفيات والمستوصفات بخصوص الأسعار و كذلك الأدوية، بيد أن العملية لا تعني الطلب منها تقديم خدمات متدنية، فالحصول على الخصومات أمر و تقديم خدمات علاجية لا تنفع المرضى أمر خر، مبينا، أن عملية الخصومات التي تحصل للشركات تختلف من شركة لأخرى، فالاتفاقيات المبرمة مع المستوصفات و المستشفيات تحكم العلاقة بين الطرفين، وبالتالي فإن الجميع يحاول الحصول على حقوقه دون الإضرار بالمرضى. وقال سعود المدعج رئيس اللجنة الصحية السابق بغرفة الشرقية إن القطاع الصحي الخاص يشتكي من الخصومات الكبيرة التي تطالب الحقوق المالية من قبل شركات التأمين. وكشف أن بعض الشركات تقوم بخصم 30 - 40 في المئة من إجمالي المطالبات سواء بالنسبة للتقارير الطبية أو قيمة الأدوية، الأمر الذي يمثل خسارة كبيرة تطال القطاع الصحي الأهلي. وكان مجلس الضمان الصحي قد سجل خلال العام الماضي أكثر من 600 شكوى أغلبها ضد شركات التأمين بمعدل 77 % من مجموعها، ثم أرباب العمل، في حين تم إنصاف أكثر من 440 من المتقدمين بتلك الشكاوى. و قدرت المصادر حجم المطالبات الطبية في العيادات الخارجية بحوالي 80 - 90 في المئة من إجمالي المطالبات، مبينة أن أغلب التقارير الطبية تحمل أرقاما مبالغ فيها، فيما يؤكد القطاع الصحي الخاص أن هناك شكاوى بخصوص تجاوزات شركات التأمين بخصم 30 - 40 في المئة من إجمالي المبالغ دون إعطاء المبررات الكافية. وقالت المصادر إن الكثير من المطالبات الطبية التي ترفع لشركات التأمين ليست ضرورية، مشيرة إلى أن حجم الغياب عن العمل تحت دواعي مختلفة يفسر ارتفاع حجم المطالبات، خصوصا أن البعض يحاول استغلال التأمين الصحي للحصول على إجازة مرضية دون أسباب منطقية، موضحة، أن التأمين يقوم أساسا على احتمالية وقوع الضرر، فهذا لا يعطي العميل الحق في الذهاب للطبيب دون ضرورة حقيقية، مشددة على أهمية الحفاظ على شركات التأمين دون تعرضها للإفلاس جراء إدارة المصاريف الطبية. وأضافت، إن تحمل العامل جزء من التكلفة بنسبة 20 % بحيث لا تزيد على 100 ريال من تكاليف العلاج، يمثل عامل استقرار لسوق التأمين، مؤكدة، أن الفترة الماضية سجلت تجاوزات كثيرة من قبل الموظفين للذهاب إلى المستشفيات دون الحاجة لتلقي العلاج، مما يزيد من الأعباء المالية التي تتحملها شركات التأمين. وأشارت المصادر إلى أن العديد من الشركات تفضل البوليصات التي تتضمن تحمل جزء من العلاج، نظرا لوجود فوارق واضحة في سعر البوليصة، حيث تصل في بعض الأحيان إلى 20 - 30 في المئة بالمقارنة مع البوليصة التي تخلو من تحمل جزء من العلاج. وكشف تقرير لمجلس الضمان الصحي التعاوني أن المجلس تلقى أكثر من 556 شكوى خلال العام الماضي حل منها 461 شكوى و30 تحت الإجراء و5 حفظت و60 محالة، وتنوعت الشكاوى بين 14 استفسارا و6 عدم رفع البيانات للجوازات و22 مطالبات مالية و360 عدم تغطية العلاج و77 عدم التأمين الصحي على المعالين و50 عدم التأمين الطبي على الموظفين و27 أخرى، وجاءت الجهات المشتكى عليها في المقام الأول شركات التأمين بأكثر من 405 شكاوى و131 على رب العمل و3 على مقدم الخدمة و17 أخرى.