حظيت الجلسة الأخيرة، التي أدارها الدكتور سحمي الهاجري في ملتقى قراءة النص الثالث عشر الذي نظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة خلال الثلاثة الأيام الماضية، بحضور كثيف من الأدباء والمثقفين والجمهور، وطرحت خلال الجلسة أربع محاضرات هامة بدأها الدكتور معجب العدواني، وتلته الدكتورة إيمان الحازمي، ثم الدكتور حسن حجاب، وختمها قليل الثبيتي، وعلقت على الأوراق المقدمة الدكتورة لمياء باعشن. ولفتت ورقة الناقد معجب العدواني انتباه الأدباء والنقاد المجتمعين، وجاءت ورقته بعنوان «الشخصية بوصفها معيارا للتجنيس الروائي: قراءة في أعمال الرواد»، وتناول فيها الأعمال الروائية الأولى في المملكة، حيث أشار في بداية محاضرته إلى أن الآراء النقدية تضاربت حول البداية الحقيقية للرواية السعودية، فمنهم من اعتبر رواية «التوأمان» ورواية «فكرة» الأوليين في هذا المجال، فيما رأت بعض الآراء أن «البعث» و«ثمن التضحية» هما بواكير الرواية، غير أن هناك من يقول أن رواية «الانتقام الطبعي» هي الأولى. وأوضح العدواني أن بحثه يهدف إلى تحديد العمل المرشح لريادة الأدب السعودي، وكذلك إلى إلقاء الضوء على الشخصية الأنثوية وحضورها في أعمال الرواد الروائية، حيث يرى أن أعمال الرواد جميعا قد راوحت في استحضار الشخصية الأنثوية، من خلال ثلاث مراحل، الأولى مرحلة تغييب الأنثى بالكامل، كما في رواية «الانتقام الطبعي»، والثانية مرحلة استحضار المرأة من خارج المملكة مثل مصر في رواية دمنهوري أو الهند في رواية المغربي، أما المرحلة الثالثة فهي التي استحضرت الشخصية الأنثوية واستنبتتها من البيئة المحلية، مثل ما ظهر في رواية «فكرة» لأحمد السباعي. وفي مسألة ريادة العمل الروائي الأول، أكد على أنه لا يمكن توصيف الرواية الأولى أو الرواية الرائدة، بل يمكن وصفها بالرواية الأقرب إلى النضج الفني، الأمر الذي ضم ثلاث رؤى، وهي الرواية، ورؤية العالم، وتأثير المجتمع. وختم العدواني: «لتكن فكرة العمل الروائي الذي يؤرخ لبداية التأسيس الروائي الذي نتطلع إليه بوصفه عالماً متكاملا من الإبداع». فيما تطرقت ورقة الباحثة إيمان الحازمي لأثر البيئة والثقافة على البنية السردية بين روايتي «ثمن التضحية» و«ثقب في رداء الليل»، وتركزت دراستها على تحليل موجز للشكل السردي من خلال تحديد النمط السردي للروايتين المذكورتين، ثم بينت البنى السردية للقصة. وأوضحت أن الروايتين تعالجان فترة حاسمة مرت على العالم بشكل عام والعالم العربي خاصة، وهي فترة نشوب الحرب العالمية الثانية، التي عانت من ويلاتها الشعوب العربية نتيجة نقص إمدادات الغذاء وكساد التجارة وتعطل الطرق البحرية، كما تعالج الروايتان على وجه الخصوص فترة حاسمة في تاريخ المواطن السعودي في دولة ناشئة، وذلك في السعي للحصول على تعليم نظامي، وما واجهه الشعب من تحديات اجتماعية وثقافية في سبيل ذلك. وطرح الدكتور حسن حجاب ورقته عن رائد القصة في الجنوب، معتبرا محمد زارع عقيل أحد رواد الأدب الحديث في المملكة على وجه العموم، وفي منطقة جازان على وجه الخصوص. وقال: «هو رائد الرواية التاريخية في السعودية، وإليه تنسب أول رواية تاريخية في الأدب السعودي الحديث. ألا وهي رواية (أمير الحب)، كما أنه رائد القصة في الجنوب، فهو صاحب أول قصة تنشر لكاتب من كتاب جنوب المملكة، وهي قصة (قلب الأسد) التي نشرت في مجلة المنهل سنة 1955م، ثم والى بعد ذلك نشر عدد من القصص القصيرة ممهدا بذلك الطريق لأبناء جيله والجيل اللاحق ليحذو حذوه في طرق دروب هذا الفن الجديد، كما أنه صاحب أول قصة طويلة تكتب في الجنوب، وهي قصة (ليلة في الظلام)». واستعرض قليل الثبيتي دور الرواد ونقد القصة في المملكة العربية السعودية، بدأها بتاريخ فن القصة، وذهب إلى أن الدراسات تؤكد أن معظم ما تناوله النقد في بلادنا كان مرتكزا في الدرجة الأولى على الخصومات الأدبية، التي لم ينشب معظمها لخلاف حول مفهوم نقدي، وإنما لغرض شخصي أو نزعة ذاتية. وأضاف «المعارك التي قامت بعيدة كل البعد عن روح النقد المنهجي الصحيح الذي يفتح مغاليق النص، أو يسهم في ذلك.