يمتد شارع قابل التاريخي على مساحة 77 متراً بعرض لا يتجاوز سبعة أمتار.. ومع محدودية المكان خرج منه معظم تجار جدة، إن لم يخرج منه كلهم، وظل الشارع العريق حتى اليوم رئة يتنفس منها تجار الأمس واليوم، وإن كانت البسطات والمحال التجارية الصغيرة هي سيدة الموقف اليوم إذ يتجاوز عمر السوق 85 عاما. سر التجارة انطلق من الشارع أشهر التجار أبرزهم سالم بن محفوظ والذي كان يجلس في جانب الشارع على بسطة ومعه ريالات الفضة، حيث يتولى تبديلها بالعملات الأخرى للراغبين من الحجاج والتجار، ومن تلك البسطة ولدت فكرة إنشاء البنك فأصبح بن محفوظ واحداً من أكبر تجار البلد. وفي مكان لا يبعد كثيرا عنه كان يجلس صالح الراجحي يتجول بشنطة العملات، يبيع ويشتري، فيما شهد الشارع الشهير ظهور آخرين منهم الشربتلي والصيرفي والكعكي وبقشان وبادريق فكانوا أساس الشارع في أعوام مضت قبل أن ينطلقوا منه ليصحبوا من أشهر التجار في المملكة. البيع بالقراريط يتربع شارع قابل على مساحة يبلغ مجموعها 539 متراً مربعاً، ويضم بين جنباته 58 محلاً، ويتجاوز دخله ثلاثة ملايين ريال سنوياً ولم يعد الراحل سليمان قابل وورثته يمتلكونه بمفردهم، إذ باع أجزاء منه على مر السنوات على عدد من الشركاء ب «القيراط»، وهي وحدة قياس لمساحة الأراضي، فبات يمتلك ورثة حسن شربتلي 8.2 قيراط (1435 متراً)، البنك الأهلي 5.3 قيراط (927.5 متراً)، فيما يمتلك آل قابل 10 قراريط (1750 مترا)، وذلك وفق صك صادر في العام 1344 ه يحمله ورثة ملاك الشارع ويبدأ من النورية شرقاً، ويمتد حتى باب النبط غرباً، ومن منتصفه يبدأ سوق الخاسكية ويمتد جنوباً ثم يلتف شرقاً ليصبح موازياً لشارع قابل من الجهة الجنوبية. المعدن المضلع العمدة عبدالصمد محمد عبدالصمد يتذكر نشأة شارع قابل وفق ما سمعه من القدماء، حيث أشير إلى أن من أسسه هو الشريف حسين بن علي في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يكن حينها يحمل هذا الاسم بعد، حتى آلت ملكيته إلى سليمان قابل، الذي اشتراه من الشريف علي بن الحسين ابن مؤسس الشارع، مقابل بعض المال والأغذية واستطاع أن يجعل منه أهم شارع في مدينة جدة، في ذلك الزمان، وكان الشارع وقتها مكشوفاً فتعاقد مع شركة ألمانية على تسقيفه، وتم تغطية الشارع بسقف من المعدن المضلع يقوم على أعمدة حديدية ويرتفع ارتفاعاً كبيراً. الخواجة يني سكان تلك المنطقة يشيرون إلى أن الشارع الشهير كان يعج بحركة المتسوقين من أبناء البلد الذين ما لبثوا أن تركوه إلى مواقع أخرى ليظل الشارع طوال سنين مضت موقعا مفضلا لكافة زوار جدة والمنطقة التاريخية والذي يعد أحد أهم معالمها. وتروي الشاعرة ثريا قابل: لا زلت أتوقف أمام دكان الخواجة (يني) حيث تدهشني الألوان وطريقة التنظيم التي يعدُّ بها زجاجات الزيتون والمخللات وأنواع الأجبان إذ كان من أشهر تجار الشارع في عصور مضت وكان أحد أبرز معالمها. وتضيف، الكثير من تجار المملكة انطلقوا من بسطات شارع قابل (اتذكره عندما عدت من مصر بعد تخرجي لاتولى ترتيبات حسابات المتاجر والدكاكين ودفاتر المستأجرين نيابة عن العائلة). شجرة قابل وأضافت الأديبة ثريا أن سليمان قابل الذي اشترى الشارع ليس جدها بل هو شقيق جدها عبدالقادر قابل، ولم يكن سليمان قابل أكبر الأبناء وكان أكبرهم محمد قابل فأنجب ولدا واحدا هو عبدالرحمن لكنه مات صغيرا، ولم يترك محمد قابل غير ثلاث بنات ومات شابا، وبعد وفاة محمد أصبح سليمان أكبر الأبناء الموجودين وله من الإخوان عبدالقادر قابل وعلي قابل، وكان سليمان عقيما لم ينجب رغم أنه تزوج كثيرا.. وآل قابل الموجودون اليوم هم ذرية أخويه عبدالقادر وعلي، وبدأ سليمان بن أمان الله بن عبدالله بن حامد قابل تجارته بالمؤونة (الأرزاق) مثل السكر والشاي والأرز والحبوب وبقية المواد الغذائية ثم لم تلبث تجارته أن تطورت حين أصبح وكيلا للسيارات فكان أول من استورد سيارات فورد وستودي بيكر.